بسم الله الرحمن الرحيم
ولد سليمان القانوني في مدينة طرابزون كان والده آنذاك والياً عليها اهتم به والده اهتماماً عظيماً، فنشأ محباً للعلم والأدب والعلماء والادباء والفقهاء، واشتهر منذ شبابه بالجدية والوقار، أرتقى عرش السلطنة في السادسة والعشرين من عمره وكان متأنياً في جميع شؤونه ولا يتعجل في الأعمال التي يريد تنفيذها بل كان يفكر بعمق ثم يقرر واذا اتخذ قراراً لايرجع عنه
بتلى سليمان في السنوات الأولى في عهده بأربع تمردات شغلته عن حركة الجهاد، حيث ظن الولاة الطموحون أن فرصة الاستقلال بأقاليمهم حان وقتها، فقام جان بردى الغزالي والى الشام بتمرد على الدولة وأعلن العصيان عليها وحاول أن يستولي على حلب إلا أنه فشل في ذلك وأمر السلطان سليمان بقمع الفتنة فقمعت وقطع رأس المتمرد جان بردى وأرسل الى استنبول دلالة على انتهاء التمرد.
وأما التمرد الثاني فقد قام به أحمد شاه الخائن في مصر وكان هذا عام 930هـ/1524م وكان هذا الباشا طامعاً في منصب الصدر الأعظم ولم يفلح في تحقيق هدفه، وطلب من السلطان أن يعينه والياً على مصر فعينه. وما أن وصل الى مصر حتى حاول استمالة الناس وأعلن نفسه سلطاناً مستقلاً إلا أن أهل الشرع وجنود الدولة العثمانية من الإنكشارية قاموا ضد الوالي المتمرد وقتلوه وظل اسمه في كتب التاريخ مقروناً باسم الخائن.
والتمرد الثالث ضد خليفة المسلمين هو تمرد شيعي رافضي قام به بابا ذو النون عام 1526م في منطقة يوزغاد حيث جمع هذا البابا مابين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ثائر وفرض الخراج على المنطقة، وقويت حركته حتى أنه استطاع هزيمة بعض القواد العثمانيين الذين توجهوا لقمع حركته، وانتهت فتنة الشيعة هذه بهزيمة بابا ذو النون وأرسل رأسه الى استانبول.
والتمرد الرابع ضد الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني كان تمرداً شيعياً رافضياً أيضاً وكان على رأسه قلندر جلبي في منطقتي قونية ومرعش وكان عدد أتباعه 30.000 شعياً قاموا بقتل المسلمين السنيين في هاتين المنطقتين. ويقول بعض المؤرخين أن قلندر جلبي جعل شعاره أن من قتل مسلماً سنياً ويعتدي على امرأة سنية يكون بهذا قد حاز أكبر الثواب.
توجه بهرام باشا لقمع هذا العصيان فقتله العصاة، ثم نجحت الحيلة معهم إذ أن الصدر الأعظم إبراهيم باشا قد استمال بعض رجال قلندر جلبي ، فقلت قواته وهزم وقتل.
بعد هذا هدأت الأمور في الدولة العثمانية وبدأ السلطان في التخطيط لسياسة الجهاد في أوروبا
ثانياً: فتح رودس
كانت رودس جزيرة مشاكسة إذ كانت حصن حصين لفرسان القديس يوحنا الذين كانوا يقطعون طريق الحجاج المسلمين الأتراك الى الحجاز، فضلاً عن اعمالهم العدوانية الموجهة لخطوط المواصلات البحرية العثمانية، فأهتم السلطان سليمان بفتحها وأعد حملة عظيمة ساعده على تحقيقها عدة أمور:
1- انشغال اوروبا بالحرب الكبرى بين شارل الخامس كنت -امبراطور الدولة الرومانية المقدسة وفرانسوا ملك فرنسا.
2- عقد الصلح بين الدولة العثمانية والبندقية.
3- نمو البحرية العثمانية على عهد سليم الأول.
وشن سليمان القانوني حرباً كبيرة ضد رودس ابتداء من منتصف عام 1522م، وفتحها وأعطى للفرسان حق الانتقال منها، فذهبوا الى مالطة وهناك أعطاهم شارك كنت حق حكم هذه الجزيرة
ثالثاً: قتال المجر وحصار فينا
كان ملك المجر فيلاد يسلاف الثاني جاجليو قد عزم على فك أي تعهدات كانت قد اعطيت من قبل اسلافه لسلاطين الدولة العثمانية، وذهب الى حد قتل مبعوث السلطان سليمان إليه.
وكان المبعوث يطالب بالجزية السنوية المفروضة على المجر. ولهذا رد سليمان في عام 1521م بغزوة كبيرة ضد المجر، ولكن استمرت المعارك حتى أحرز الاتراك انتصارهم الكبير، في موقعة موهاكس عام 1526م، ودخل سليمان القانوني بودا في 11 سبتمبر أيلول عام 1526م واستمرت المقاومة الهنغارية رغم هذا، وتابع السلطان ضغطه حتى بلغت جيوشه أسوار فينا عاصمة الامبراطورية الرومانية المقدسة عام 1529م، إلا أن طول خطوط المواصلات وتحول شارل كنت من قتال فرانسوا الى التصالح معه للتفرغ لحرب العثمانيين ولانقاذ عاصمة الهايسبورج جعل من المستحيل على سليمان القانوني فتح هذه العاصمة، وتراجع عنها بينما استمر الصراع بين سليمان والقوى الأوروبية المؤيدة لملك المجر من أجل السيطرة على هذه المملكة حتى وفاة سليمان.
على أن أبرز حدث تاريخي في السياسة الخارجية العثمانية على عهد سليمان القانوني هو علاقته مع فرانسوا، تلك العلاقة التي تحولت الى محالفة
رابعاً: سياسة التقارب العثماني الفرنسي
كان عهد السطان سليمان القانوني بمثل رأس الهرم بالنسبة لقوة الدولة العثمانية ومكانتها بين دول العالم آنذاك. ويعتبر عصر السلطان سليمان هو العصر الذهبي للدولة العثمانية، حيث شهدت سنوات حكمه من
926-972هـ، الموافق 1520-1566م توسعاً عظيماً لم يسبق له مثيل، وأصبحت أقاليم الدولة العثمانية منتشرة في ثلاث قارات عالمية.
وكان لهذا البروز أثره على دول العالم المعاصرة وبالأخص على دول أوروبا التي كانت تعيش انقسامات سياسية ودينية خطيرة، ولهذا تنوعت مواقف الدول الأوروبية من الدولة العثمانية حسب ظروف كل دولة. وكان تشارلز الخامس ملك الامبراطورية الرومانية المقدسة ينافس فرانسوا الأول ملك فرنسا على كرسي الحكم للامبراطورية الرومانية، وكان البابا ليو العاشر منافساً للراهب الألماني مارتن لوثر زعيم المقاومة البروتستانتية
الدولة العثمانية وشمال أفريقيا
كان من آثار التهجير الجماعي للمسلمين من الأندلس ونزوح أعداداً كبيرة منهم الى الشمال الأفريقي حدوث العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في ولايات الشمال الأفريقي ولما كان من بين المسلمين النازحين الى هذه المناطق أعداداً وفيرة من البحارة، فكان من الضروري أن تبحث عن الوسائل الملائمة لاستقرارها، إلا أن بعض العوامل قد توافرت لتدفع بأعداد من هؤلاء البحارة الى طريق الجهاد ضد القوى المسيحية في البحر المتوسط. ويأتي في مقدمة هذه الأسباب الدافع الديني بسبب الصراع بين الاسلام والنصرانية وإخراج المسلمين من الأندلس ومتابعة الاسبان والبرتغال للمسلمين في الشمال الأفريقي.
وقد ظلت حركات الجهاد الاسلامي ضد الاسبان والبرتغاليين غير منظمة حتى ظهور الأخَوان خير الدين وعروج بربروسا واستطاعا تجميع القوات الاسلامية في الجزائر وتوجيها نحو الهدف المشترك لصد اعداء الاسلام عن التوسع في موانئ ومدن الشمال الافريقي.
وقد اعتمدت هذه القوة الاسلامية الجديدة في جهادها أسلوب الكر والفر في البحر بسبب عدم قدرتها في الدخول في حرب نظامية ضد القوى المسيحية من الأسبان والبرتغاليين وفرسان القديس يوحنا، وقد حقق هؤلاء المجاهدين نجاحاً أثار قلق القوى المعادية، ثم رآو بنظرهم الثاقب أن يدخلوا تحت سيادة الدولة العثمانية لتوحيد جهود المسلمين ضد النصارى الحاقدين.
وقد حاول المؤرخون الأوروبيون التشكيك في طبيعة الحركة الجهادية في البحر المتوسط ووصفوا دورها بالقرصنة وكذلك شككوا في أصل أهم قادتها وهما خيرالدين وأخوه عروج الأمر الذي يفرض ضرورة إلقاء الضوء على دور الأخوين وأصلهما، وأثر هذه الحركة على الدور الصليبي في البحر المتوسط في زمن السلطان سليم والسلطان سليمان القانوني.