.::ToNiGhT.::
ندعوك للتسجيل في المنتدى
.::ToNiGhT.::
ندعوك للتسجيل في المنتدى
.::ToNiGhT.::
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


نحن الافضل
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين)))

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
To Night
المدير
المدير
To Night


عدد المساهمات : 261
تاريخ التسجيل : 19/05/2012
العمر : 33

التاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين))) Empty
مُساهمةموضوع: التاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين)))   التاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين))) I_icon_minitimeالثلاثاء 29 مايو 2012, 1:25 am

التاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين)))

هاالتاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين)))


ماذا تعني كلمة المرابطين؟ وما أصلهم؟.




تعنيالقيام باتخاذ خيامًا على ثغور المسلمين لحمايتها والدفاع عنها، ومن هناأطلق عليهم اسم المرابطين. ويُنسب المرابطون إلى قبيلة جدالة بموريتانيا.


كيف تحولوا من قمة الفساد إلى هذا الصلاح؟ وكيف بلغت هذه القوة؟


كانت أوضاع جدالة في منتهى الفساد والانحلال، ففكر قائدهم يحيى بن إبراهيم: ماذا يفعل ليصلح أحوال قبيلته؟ فاستدعى رجلاً يدعى عبد الله بن ياسين لكييعظ هؤلاء الناس، وتنشأ دولة المرابطين من هذه الدعوة. وبعد وفاة عبد اللهبن ياسين في سنة 451 هـ/ 1059م، يتولى أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامةالمرابطين بعد أن كان قد انضم هو وقبيلته إلى المرابطين، ويزداد أعدادالمرابطين في عهده، وتتوسع الدولة، وينيب عنه ابن عمه يوسف بن تاشفينزعيمًا على المرابطين، ويذهب لنشرالإسلامفي السنغال وغيرها من بقاع إفريقيا. أما يوسف بن تاشفين فلقد حارب حاييمبنمنّ الله، وحارب صالح بن طريف؛ لأنهم ادَّعوا النبوة، وبدأ ينشرالإسلام، حتى عاد أبو بكر بن عمر اللمتوني، فلما وجد يوسف بن تاشفين وقدنشر الإسلام وحارب أعداء الدين؛ فتنازل له عن الحكم وذهب إلى إفريقيا لنشرالإسلام، وقبل وفاته كانت دولة المرابطين تسيطر على ثلث إفريقيا.

المرابطون بالأندلس:


فيسنة 478 هـ/ 1085م يعبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس ويتحد مع الأندلسيينويهزم ألفونسو السادس في موقعة "الزَّلاَّقة" من أشهر مواقع التاريخالإسلامي، ويوحد المغرب والأندلس تحت راية واحدة، وبعد وفاة يوسف بنتاشفين حرر المسلمون الكثير من الأراضي الإسلامية المحتلة.


ولكن هل تنتهي دولة المرابطين؟



نعم،كان لا بد من نهاية لهذه الدولة، ويعود السبب في ذلك إلى الفتنة بالدنياوالأموال، وانشغال المرابطين بالأمورالخارجية عن الأمور الداخلية، وكثرةالذنوب سواء في بلاد المغرب أو في الأندلس، وتعمق العلماء في الفروع دونالأصول. ومن العوامل المسئولة عن الانهيار أيضًا حدوث أزمة اقتصادية فيآخر عهد المرابطين؛ بسبب البعد عن الطريق الصحيح.

مزيد من التفاصيل

مَنْ هُم المُرَابِطُون؟


قبيلة جُدَالة وأصل المرابطين



كانالتاريخ هو سنة 478 هـ= 1085 م، حيث سقطت طُلَيْطِلَة، وحوصرتإِشْبِيلِيّة، وعُقد مؤتمر القمة، ومن هذا التاريخ نعود إلى الوراء ثمانيةوثلاثين عامًا، وبالتحديد في 440 هـ= 1048 م حيث أحداث "بربشتر" و"بلنسية" السابقة، لنكون مع بداية تاريخ المرابطين.



وكماغوّرنا في أعماق التاريخ، نعود ونغوّر في أعماق صحراء موريتانيا البلدالإسلامي الكبير، وبالتحديد في الجنوب القاحل، حيث الصحراء الممتدة،والجدب المقفر، والحرّ الشديد، وحيث أناس لا يتقنون الزراعة ويعيشون علىالبداوة.



فيهذه المناطق كانت تعيش قبائل البربر، ومن قبائل البربر الكبيرة كانت قبيلة "صنهاجة"، وكانت قبيلتي "جُدَالَة ولَمْتُونة" أكبر فرعين في "صنهاجة"...



كانت "جُدَالة" تقطن جنوب موريتانيا، وكانت قد دخلت في الإسلام منذ قرون، وكانعلى رأس جدالة رئيسهم يحيى بن إبراهيم الجدالي، وكان لهذا الرجل فطرةسوّية وأخلاق حَسَنة.



نظريحيى بن إبراهيم في قبيلته فوجد أمورًا عجيبة (كان ذلك متزامنًا مع مأساةبربشتر وبلنسية)، وجد الناس وقد أدمنوا الخمور، وألِفوا الزنى، حتى إنالرجل ليزني بحليلة جاره ولا يعترض جاره، تمامًا كما قال سبحانه وتعالى فيكتابه الكريم: [وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنْكَرَ]{العنكبوت:29}.


ولماذا يعترض الجار وهو يفعل نفس الشيء مع جاره؟!




فقدفشى الزنى بشكل مريع في جنوب موريتانيا في ذلك الزمن، وكثر الزواج من أكثرمن أربعة، والناس ما زالوا مسلمين ولا ينكر عليهم أحد ما يفعلونه، فالسلبوالنهب هو العرف السائد، القبائل مشتتة ومفرقة، القبيلة القوية تأكلالضعيفة، والوضع شديد الشبه بما يحدث في دويلات الطوائف، بل هو أشدّ وأخزى.




((وكانالمغرب الأقصى في ذلك الوقت في محنة سياسية ودينية، حيث ظهرت دعوات منحرفةعن الإسلام وحقيقته وجوهره الأصيل، واستطاعت بعض الدعوات الكفرية أن تشكلكيانًا سياسيًا تحتمي به))... د. الصلابي - الجوهر الثمين بمعرفة دولةالمرابطين






لقدكانت هذه الأوضاع سواء في بلاد الأندلس أو في موريتانيا أشد وطأةً مما نحنعليه الآن، فلننظر كيف يكون القيام، ولنتدبّر تلك الخطوات المنظّمة والتيسار أصحابها وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء الدولة وإصلاحأحوال الأمة...






يحيى بن إبراهيم يحمل هَمّ المسلمين






كان يحيى بن إبراهيم الجُدالي صاحب الفطرة النقيّة يعلم أن كلّ ما يفعله قومه من المنكرات، لكنه لم يكن بمقدوره التغيير؛فالشعب كله في ضلال وعمى، وبعيد كل البعد عن الدين، كما أن الرجل نفسه لا يملك من العلم ما يستطيع به أن يغيّر الناس.






وبعد حيْرة وتفكّر هداه ربُّه لأن يذهب إلى الحج، ثم وهو في طريق عودته يُعرّج على حاضرة الإسلام في المنطقة وهي مدينة القيروان (في تونس الآن)، فيكلّم علماءَها المشهورين بالعلم لعلّ واحدًا منهم أن يأتي معه فيُعلّم قبيلته الإسلام.






وبالفعلذهب إلى الحج وفي طريق عودته ذهب إلى القيروان، وقابل هناك أبا عمران موسىبن عيسى الفاسي (368 - 430 هـ= 979 - 1039 م )، وهو شيخ المالكية في مدينةالقيروان (كان المذهب المالكي هو المنتشر في كل بلاد الشمال الإفريقي وإلىعصرنا الحاضر، كما كان هو المذهب السائد في بلاد الأندلس)، قال عنهالحميدي صاحب جذوة المقتبس في ذكر ولاةالأندلس - (جـ 1 / صـ 121) موسى بن عيسى بن أبي حاج واسم أبي حاج: يحج أبو عمرانالفاسي، فقيه القيروان، إمام في وقته دخل الأندلس وله رحلة إلى المشرق،وصل فيها إلى العراق، فمن مشايخه بالأندلس أبو الفضل أحمد بن قاس بن عبدالرحمنصاحب قاسم بن أصبغ، وأبو زيد عبد الرحمن بن يحيى العطار، وأبو عثمان سعيدبن نصر، وسمع بالقيروان من أبي الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي وغيره،وبمصر من أبي الحسين عبد الكريم بن أحمد ابن أبي جدار وغيره، وبمكة من أبيالقاسم عبيد الله بن محمد بن أحمد السفطي وغيره، والعراق من أبي الفضلعبيد الله بن عبد الرحمن الزهري وغيره؛ وكان مكثراً عالماً...






وقال عنه الحِميري صاحب الروض المعطار في خبر الأقطار - (جـ 1 / ص 435): الفقيه الإمام المشهور بالعلْم والصلاح...






وقالعنه ابن فرحون صاحب الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - (جـ 1 / ص 172) قال حاتم بن محمد: كان أبو عمران من أحفظ الناس وأعلمهم جمع حفظالمذهب المالكي إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة معانية وكانيقرأ القرآن بالسبع ويجوده مع معرفته بالرجال وجرحهم وتعديلهم.






فلماالتقى به يحيى بن إبراهيم الجدالي حكى له قصته وسأله عن الدواء، فما كانمن أبي عمران الفاسي إلا أن أرسل معه شيخًا جليلًا يعلّم النّاس أموردينهم.




تُـرى من هو هذاالشيخ؟!




كانعبد الله بن ياسين ( الزعيم الاول للمرابطين، وجامع شملهم، وصاحب الدعوةالإصلاحية فيهم. ت451 هـ= 1059 م) من شيوخ المالكية الكبار، له طلاب علمكثيرون في أرض المغرب والجزائر وتونس، كانوا يأتون إليه ويستمعون منه،وكان يعيش في حاضرة من حواضر الإسلام على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهاهو يقبل القيام بهذه المهمة الكبيرة، وفضّل أن يُغوّر في الصحراء ويترك كلما هو فيه ليعلّم الناس الإسلام، ويقوم بمهمة الأنبياء والرسل، وهي الدعوةإلى الله سبحانه وتعالى.






لميكن عبد الله بن ياسين فقيهًا فحسب وإنما استوعب العلوم والمناهج التيكانت في زمانه من أصول وفقه وحديث ولغة وغير ذلك وعاش تجارب كثيرة وأحاطبالكثير من مجريات الأمور التي تدور حوله، إضافة إلى ذلك اتصف ابنُ ياسينرحمه الله بالكثير من الصفات الأخلاقية والقيادية منها ما كان فطريًاومنها ما اكتسبه بمجاهدته لنفسه وطول عبادتهلربه، وهذه الأمور مجتمعةً جعلته أهلًا لأن يحمل هذه الأمانة العظيمةوجعلته حريًا أن يختاره شيوخه للقيام بهذه المهمة العظيمة في ذلك الوقتالعصيب من تاريخ تلك المنطقة لتصبح بعد سنواتٍ قليلة منبعَ الخير للأمةكلها ومحضنَ المجاهدين وقبلة الراغبين في الجنة...





ومنأهمّ ما يميّز الشيخ أيضًا فهمه للواقع وأخذه بفقه الأولويات ومعرفة هدفهوالعمل له بجدٍ واجتهادٍ وهمةٍ عاليةٍ وعزيمة صادقة، دون الصدام مع منيريدون لدعوته الفناء حرصًا على مصالح شخصية ومنافع دنيوية وأهداف دنيئة...






عبد الله بن ياسين ومهمّةالأنبياء :




اتّجهالشيخ عبد الله بن ياسين صَوْب الصحراء الكبرى، مخترقًا جنوب الجزائروشمال موريتانيا حتى وصل إلى الجنوب منها، حيث قبيلة جُدَالة، وحيث الأرضالمجدِبة والحرّ الشديد، وفي أناةٍ شديدة، وبعد ما هالَه أمر الناس فيارتكاب المنكرات أمام بعضهم البعض ولا ينكر عليهم منكر، بدأ يعلم الناس،يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.






كانالناس في جهل مطبق وبعدٍ تام عن الإسلام قال القاضي عياض في ترتيب المداركوتقريب المسالك - (جـ 2 / ص 64) واصفًا حال هؤلاء القوم في ذلك الوقت: كانالدين عندهم قليلاً، وأكثرهم جاهلية، ليس عند أكثرهم غير الشهادتين، ولايعرف من وظائف الإسلام سواهما




ولكن - وللأسف - ثار عليه أصحاب المصالح بل وثار عليه الشعب أيضًا، فالكل يريدأن يعيش في شهواته وملذاته ودون قيد أو شرط، وأصحاب المصالح هم أكبرمستفيد مما يحدث، فبدأ الناس يجادلونه ويصدّونه عما يفعل، ولم يستطع يحيىبن إبراهيم الجُدالي زعيم القبيلة أن يحميه، وذلك لأن الشعب كان لا يعرفالفضيلة، وفي ذات الوقت كان رافضًا للتغيير، ولو أصر يحيى بن إبراهيمالجُدالي على موقفه هذا لخلعه الشعب ولخلعته القبيلة



لميقنط الشيخ عبد الله بن ياسين، وحاول المرة تلو المرة، فبدأ الناس يهددونهبالضرب، وحين استمرّ على موقفه من تعليمهم الخير وهدايتهم إلى طريق ربالعالمين، قاموا بضربه ثم هددوه بالطرد من البلاد أو القتل





لميزدد موقف الشيخ إلا صلابة، ومرّت الأيام وهو يدعو ويدعو حتى قاموا بالفعلبطرده من البلاد، ولسان حالهم: دعك عنا، اتركنا وشأننا، ارجع إلى قومكفعلمهم بدلًا منا، دع هذه البلاد تعيش كما تعيش فليس هذا من شأنك، وكأنيأراه رأي العين وهو يقف خارج حدود القبيلة وبعد أن طرده الناس، تنحدردموعه على خدّه، ويقول مشفقًا على قومه: [ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ]{ يس: 26}.





يريدأن يغيّر ولا يستطيع، أنْفس تتفلت منه إلى طريق الغواية والانحراف عنالنّهج القويم ولا سبيل إلى تقويمها، حزّ في نفسه أن يولد الناس في هذهالبلاد فلا يجدون من يعلمهم ويرشدهم، فأراد أن يبقى ولكن كيف يبقى؟ أيدخلجُدالة من جديد؟ لكنهم سيقتلونه، ولو كان في ذلك صلاحًا لهم فأهلا بالموت،لكن هيهات ثم هيهات...





عبد الله بن ياسين ونواة دولةالمرابطين :





جلسرحمه الله يفكر ويفكر ثم هداه ربه سبحانه وتعالى، فما كان منه إلا أنتعمّق في الصحراء ناحية الجنوب بعيدًا عن الحواضر والمدنية، حتى وصل إلىشمال السنغال (التي لا نعرف عنها سوى فريقها القومي، رغم كونها بلدًاإسلاميًا كبيرًا، حيث أكثر من 90 % من سكانه من المسلمين).






وهناكوفي شمال السنغال اعتزلهم عبد الله بن ياسين، متنسكًا في جزيرة، قال ابنخلدون - كما نقل عنه الزركلي في الأعلام جـ 8 / ص 160-: " يحيط بها النيل،ضحضاحًا في الصيف، يخاض بالاقدام، وغمرًا في الشتاء يعبر بالزوارق " صنعخيمة بسيطة له وجلس فيها وحده، ثم بعث برسالة إلى أهل جُدالة في جنوبموريتانيا، تلك التي أخرجه أهلُها منها يخبرهم فيها بمكانه، فمن يريد أنيتعلم العلم فليأتني في هذا المكان







كانمن الطبيعي أن يكون في جُدالة بعض الناس خاصّة من الشباب الذين تحرّكتقلوبهم وفطرتهم السوّية لهذا الدين، لكنّ أصحاب المصالح ومراكز القوى فيالبلاد كانوا يمنعونهم من ذلك، فحين علموا أنهم سيكونون بعيدين عن قومهم،ومن ثَمّ يكونون في مأمن مع شيخهم في أدغال السنغال، تاقت قلوبهم إلىلقياه، فنزلوا من جنوب موريتانيا إلى شمال السنغال، وجلسوا مع الشيخ عبدالله بن ياسين ولم يتجاوز عددهم في بادئ الأمر الخمسة نفر...!!






وفيخيمته وبصبر وأناة شديدين أخذ الشيخ عبد الله بن ياسين يعلّمهم الإسلامكما أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وكيف أنالإسلام نظام شامل متكامل ينتظم كل أمور الحياة، وبدأ يعلمهم العقيدةالصحيحة، والجهاد في سبيل الله، وكيف يركبون الخيل ويحملون السيوف، وكيفيعتمدون على أنفسهم في مطعمهم ومشربهم، وكيف ينزلون إلى الغابات فيصطادونالصيد ويأتون به إلى الخيمة يطبخونه ويأكلونه ولا يستجدون طعامهم ممن حوله ممن الناس.







ذاقالرجال معه حلاوة الدين، ثم شعروا أن من واجبهم أن يأتوا بمعارفهموأقربائهم وذويهم، لينهلوا من هذا المعين، ويتذوقوا حلاوة ما تذوقوه،فذهبوا إلى جُدالة - وكانوا خمسة رجال - وقد رجع كل منهم برجل فأصبحواعشرة، ثم زادوا إلى عشرين، وحين ضاقت عليهم الخيمة أقاموا خيمة ثانيةفثالثة فرابعة، وبدأ العدد في ازدياد مستمر.






هذاولم يملّ الشيخ عبد الله بن ياسين تعليمهم الإسلام من كل جوانبه، وكانيكثر من تعليمهم أنه إذا ما تعارض شيء مع القرآن أو السنة فلا ينظر إليه،وأنه لا بدّ من المحافظة على هذه الأصول، فالقرآن الكريم والسنة المطهرّةمرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام.







تربية المرابطين علىمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم :





مع كثرةالخيام وازدياد العدد إلى الخمسين فالمائة فالمائة وخمسين فالمائتين، أصبحمن الصعب على الشيخ توصيل علمه إلى الجميع، فقسمهم إلى مجموعات صغيرة،وجعل على كل منها واحدًا من النابغين، وهو نفس منهج رسول الله صلى اللهعليه وسلم بداية من دار الأرقم بن أبي الأرقم، وحين كان يجلس صلى اللهعليه وسلم مع صحابته في مكة يعلمهمالإسلام، ومرورًا ببيعة العقبة الثانية حين قسم الاثنين والسبعين رجلًا منأهل المدينة المنورة إلى اثني عشر قسمًا، وجعل على كل قسم (خمسة نفر) منهمنقيبًا عليهم، ثم أرسلهم مرة أخرى إلى المدينة المنورة حتى قامت للمسلميندولتهم.






وهكذا أيضًاكان منهج الشيخ عبد الله بن ياسين، حتى بلغ العدد في سنة 440 هـ= 1048 م،بعد أربعة أعوام فقط من بداية دعوته ونزوحه إلى شمال السنغال إلى ألف نفسمسلمة





[نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِالمُؤْمِنِينَ] {الصَّف:13}.






فبعد أن طُردالرجل وأُوذي في الله وضُرب وهُدّد بالقتل، إذا به ينزل بمفرده إلى أعماقالصحراء حتى شمال السنغال وحيدًا طريدًا شريدًا، ثم في زمن لم يتعدىالأربع سنوات يتخرج من تحت يديه ألف رجل على أفضل ما يكون من فهم الإسلاموفقه الواقع.






وفي قبائل صنهاجة المفرّقة والمشتتة توزّع هؤلاء الألف الذين كانواكما ينبغي أن يكون الرجال، فأخذوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يعلمون الناسالخير ويعرفونهم أمور دينهم، فبدأت جماعتهم تزداد شيئًا فشيئًا، وبدأالرقم يتخطىحاجز الألف إلى مائتان وألف ثم إلى ثلاثمائة وألف، يزداد التقدم ببطء لكنه تقدمملموس جدًا.






معنى المرابطين





أصل كلمة الرباط هي ما تربط به الخيل، ثم قيل لكل أهل ثغر يدفع عمنخلفه رباط، فكان الرباط هو ملازمة الجهاد،روي البخاريبسنده عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رِبَاطُيَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا..." الحديث






ولأن المرابطين أو المجاهدين كانوا يتخذون خيامًا على الثغور يحمونفيها ثغور المسلمين، ويجاهدون في سبيل الله، فقدتَسمى الشيخعبد الله بن ياسين ومن معه ممن كانوا يرابطون في خيام على نهر السنغالبجماعة المرابطين، وعُرفوا في التاريخ بهذا الاسم.






كما تطلِقعليهم بعض المصادر الملثمين فيُقال أمير الملثمين ودولة الملثمين، ويرجعسبب هذه التسمية كما يذكر ابن خلّكان في وفيات الأعيان إلى أنهم قوميتلثمون ولا يكشفون وجوههم، فلذلك سموهم الملثمين، وذلك سنّة لهميتوارثونها خلفاً عن سلف، وسبب ذلك على ما قيل أن "حمير" كانت تتلثم لشدةالحرّ والبرد يفعله الخواص منهم، فكثر ذلك حتى صار يفعلهعامتهم. وقيل كان سببه أن قوماً من أعدائهم كانوا يقصدون غفلتهم إذا غابواعن بيوتهم فيطرقون الحي فيأخذون المال والحريم، فأشار عليهم بعض مشايخهمأن يبعثوا النساء في زي الرجال إلى ناحية ويقعدوا هم في البيوت ملثمين فيزي النساء، فإذا أتاهم العدو ظنّوهم النساء فيخرجون عليهم، ففعلوا ذلكوثاروا عليهم بالسيوف فقتلوهم، فلزموا اللثام تبركاً بما حصل لهم من الظفربالعدو.






وقال شيخناالحافظ عز الدين ابن الأثير في تاريخه الكبير ما مثاله: وقيل إن سبباللثام لهم أن طائفة من لَمْتونة خرجوا مغيرين على عدو لهم فخالفهم العدوإلى بيوتهم، ولم يكن بها إلا المشايخ والصبيان والنساء، فلما تحقق المشايخأنهالعدو أمرواالنساء أن تلبس ثياب الرجال ويتلثمن ويضيقنه حتى لا يعرفن، ويلبسن السلاح،ففعلن ذلك، وتقدم المشايخ والصبيان أمامهن واستدار النساء بالبيوت، فلماأشرف العدو رأى جمعاً عظيماً فظنه رجالاً وقالوا: هؤلاء عند حريمهميقاتلون عنهن قتال الموت، والرأي أن نسوق النعم ونمضي، فإن اتبعوناقاتلناهم خارجاً عن حريمهم، فبينما هم في جمعالنعممن المراعي إذ أقبل رجال الحي، فبقي العدو بينهم وبين النساء، فقتلوا منالعدو وأكثروا وكان من قبل النساء أكثر، فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سنّةيلازمونه فلا يُعرف الشيخ من الشاب ولا يزيلونه ليلاً ولا نهاراً.





ومما قيل في اللثّام:





قومٌ لهم درك العلا في حمير وإن انتموا صنهاجة فهم هم





لما حووا إحراز كل فضيلة غلب الحيـاء عليهم فتلثمو. هـ






كيف كانت الحياة فيالرباط :






كان هذاالرباط الذي أقامه الداعية الرباني الفقيه عبد الله بن ياسين بمثابة جامعةعظيمة تخرّج فيها الكثير من القادة والمربين على يد هذا الشيخ الجليل وعلىيد من تربوا على يديه، ولنقترب أكثر من الشيخ وتلامذته في هذا الرباط لنرىحياتهم عن قرب ونعيش بعض مواقفهم ونعرف أسلوب حياتهم في هذا المكان...






أولًا:كان المقبلون على الشيخ في هذا المكان البعيد عن العمران هم الصفوة من بينأهل تلك البلاد التي رفض أهلها بقاء الشيخ بينهم، ورفضوا دعوته اتباعًالأهوائهم وإيثارًا لدنياهم على آخرتهم، فكان هؤلاء الصفوة الذين انقطعواإلى الشيخ وتركوا أهلهم وذويهم أهلًا لأن يتربوا على يد هذا المربىالعظيم، بل كانوا أهلًا لأن يكون أساتذةً لجيل المرابطين المجاهدين بعدذلك...






ثانيًا:بدأ الشيخ المربي العظيم عبد الله بن ياسين يعلّم هؤلاء الصفوة ويربيهمعلى الأسس الإسلامية الصحيحية وعلى الفهم الشامل العميق للإسلام، وكانتتربيته عملية لا نظرية فهم يطبّقون ما يتعلمونه على الفور، وكان الشيخبفهمه الواضح ونظرته الثاقبة يعرف أولولياته ويرتّبها ولا يستعجل الخطى بليسير مع تلامذته في أناة شديدة حتى يكون النضج على أحسن ما يكون.






ثالثًا:عاش هذا الجيل من المرابطين في هذا المكان - الرباط - حياة الجهاد والتقشفوكان يعتمدون إلى حدٍّ كبير على الصيد ويقتسمون بينهم ما يرزقهم الله بهويؤثرون بعضهم بعضًا، وربما آثر أحدهم أن ينام جائعًا ويطعم أخاه، فقدأصّل الشيخ فيهم معاني الإيثار والحب في الله والأخوة الإسلامية...قالصاحب كتاب (دولة المرابطين): "وكان أهل الرباط في قمة من الصفاء الروحي،ويعيشون حياة مثالية في رباطهم فيتعاونون على قوتهم اليومي معتمدين على ماتوفره لهم جزيرتهم من الصيد البحري يقنعون بالقليل من الطعام، ويرتدونالخشن من الثياب".






وإن هذه النماذج لتذكرنا بالجيل الأول الذي رباه الرسول الكريم محمد صلى اللهعليه وسلم والذين قال الله فيهم: [لِلْفُقَرَاءِالْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْيَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَوَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ] {الحشر 8} ولا عجب فإنعبد الله بن ياسين رحمه الله قد اتّبع في تّرْبية تلاميذه من المرابطينالمنهج النبوي العظيم الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت تلكثمرته المرجوّة، ومتى اتبع المربّون والمعلّمون هذا المنهج في بناءالأجيال الإسلامية فليس هناك من شك أن هذه الأجيال سترفع راية الإسلامعالية خفّاقة على ربوع العالم كله وسيُعيد المسلمون كل ما افتقدوه من أرضومقدسات، فهل من مجيب؟!






رابعًا:جمع الشيخ في تربيته للمرابطين بين تربيته لنفوسهم وأرواحهم على الصفاءوالنقاء والطاعة لله وبين تربية أجسادهم على القوة والمتانة وتحمّل الصعابوذلك لأنه يعدّهم لأمر مهم وخطب جلل لا يصلح له إلا من تربى عقلُه علىالعلم والفقه وروحه على الصفاء والنقاء وجسدُه على الخشونة وقوّة التحمّل.






خامسًا:تدرّج الشيخ - رحمه الله - في بناء القوة في تلامذته المرابطين فبدأبتأصيل العقيدة الصحيحة في نفوسهم ولم يكن الشيخ يكثر في ذلك من مطالعةالعلوم الكلامية والخلافات بين الفرق والتقعّر والتعمّق في أمور لا طائلمن ورائها وإنما كان يربي عندهم العقيدة السليمة من خلال التفكر في خلقالله ونعمِهِ ومن خلال العبادة الدائمة من ذكر وصيام وقيام وتهجدوتلاوة للقرآن...وفي خطٍ موازٍ لتأصيل العقيدة الصحيحة في النفوس كانالشيخ - رحمه الله - يبني في جانب آخر من جوانب القوة ألا وهو قوة الإخاءوالحب فيما بين المرابطين وهو جانب لا يستهان به بحال من الأحوال، فقوةالأخوة في الله ينبني عليها الكثير من مقوّمات النصر والتمكين، ويحسنُ بهاالترابط بين الجنود فيؤثر كل منهم صاحبه على نفسه، ويفتديه بما يستطيع،ويسمع له ويطيع - إن أُمّر عليه - في المنشط والمكره انطلاقًا من هذا الحب وتلكالأخوة...

ومعهاتين القوتين اللّتين حرص الشيخ على بنائهما في جنوده المرابطين لم يكن - رحمه الله - ليُغفل جانبًا مهمًّا من جوانب القوّة ألا وهو قوّة الساعدوالسلاح فقد كان الشيخ - رحمه الله - وكما ذكرنا سابقًا يربى تلامذته علىالخشونة في المطعم والملبس كما كانوا يتدربون أيضًا على فنون القتالالمختلفة استعدادًا لما ينتظرهم من أمور عظيمة، بها عزّ الإسلام ونصرةالمسلمين.






وقد انطلق الشيخ - رحمه الله - في كل هذه الأمور من قول الله تعالى [وَأَعِدُّوالَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِتُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْدُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ] {الأنفال 60}.






إن من يقرأعن الشيخ عبد الله بن ياسين والمرابطين الذين كانوا معه قراءة عابرة يظنأنهم جماعة من الناس اعتزلوا قومهم ليعبدوا الله بعيدًا عن ضوضاء العمرانومشاكل الناس فحسب، ولم يكن الأمر كذلك على الإطلاق بل كان هذا الاعتزالجزءًا من خطة كبيرة يتم تنفيذها خطوة بعد خطوة بفهم سليم وعمق في التفكيرودقة في التخطيط وبراعة في التنفيذ.






ومما يلفتالنظر كذلك في هذا الرباط المبارك الدقة العالية في التنظيم والتي اتبعهاالشيخ ونفذها في هذا الرباط فقد قسّم الشيخ مَن معه إلى مجموعات كثيرة جعلعلى كلٍ منها واحدًا يعلمهم ويفقههم ويربيهم وعن طريقه تصل إليهم تعليماتالشيخ وتوجيهاته، كما تم تقسيم قادة هذه المجموعات إلى مجموعات أخرى علىكلٍ منها أحد النابغين الأذكياء وهكذا يكبر هذا الهرم ليكون في قمّتهالشيخ المربي - رحمه الله - يصدر تعليماته فتصل إلى الجميع في انسيابوسهولة دون تعقيد أو تغيير...






كوّن الشيخ - رحمه الله - من نجباء تلاميذه مجلسًا للشورى، كما شكّل إدارات متعددةلتقوم بأمر الرباط والمرابطين، خاصة بعد أن أن صاروا من الكثرة بمكان...





التاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين)))





بين المرابطين في الثغوروالمرابطين في مرج الزهور :






تذكرنا نشأةالمرابطين هذه بقضيتنا المعاصرة - قضية فلسطين - فعندما أبعد الصهاينة فيديسمبر 1992 م ما يزيد على أربعمائة من إخواننا في فلسطين، من بينهم أكثرمن 200 من خطباء المساجد ومن بينهم أساتذة جامعات، وأطباء، ومهندسون،وصيادلة، ومدرسون، وطلاب...

لقد أراد اليهود بإبعاد هؤلاء الصفوة أن يفرّغوا فلسطين من رجالاتها حتى تصفولهم وطنًا، وحتى لا يعكّر حياتهم هؤلاءالمجاهدون، فتآمروا لإبعادهم إلى لبنان ومن ثَمّ تلحق بهم أسرهم وأهليهموتكون الحطة الصهيونية قد نجحت، ولكن المجاهدين فقهوا الأمر جيدًا وأبواأن يدخلوا لبنان وعسكروا في مكان سمّوه "مرج الزهور" وهي أقرب قرية إلىالمكان الذي تم إبعادهم إليه - وكانت القرية السنيّة الوحيدة في تلكالمنطقة - وكانت تلك المنطقة معسكرًا سابقًا للجيش اليهودي وكان المكانمزودًا بالطرق والشوارع المرصوفة، وبالقرب منه عين ماء وهو في منطقة فيغاية الروعةوالجمال...






يقول أحدالذين كانوا مع المبعدين: كان مخيم المبعدين أشبه بالدولة المصغرة فقد قسمللجان مختلفة منها: اللجنة الإعلامية التي يترأسها د. عبد العزيزالرنتيسي- رحمه الله- المتحدث باسم المبعدين باللغة العربية والدكتور عزيزدويك المتحدث باللغة الإنجليزية، وكانت مهمة هذه اللجنة الحديث مع وسائلالإعلام العربية والعالمية، وهناك أيضا اللجنةالماليةواللجنة الاجتماعية واللجنة الرياضية ولجنة الدعوة وغيرها من اللجانالفاعلة، وقمنا كذلك بتأسيس جامعة تضم مختلف العلوم أسميناها "جامعة ابنتيمية"، وكان هناك دورات التجويد وحفظ القرآن ودورات الكراتية والخطوالخطابة ودورات باللغة الإنجليزية وغيرها الكثير من الخبرات والعلوم التيتلقينها أثناء فترة الإبعاد والتي ساهمت بإكسابنا العديد من المهاراتوالعلوم الدينية والدنيوية.






أما عنالمبعدين فقد كانوا من مختلف الشرائح الاجتماعية منهم الطبيب والمهندسوالشيخ والعامل والموظف والقاضي والتاجر، وكانت تضم خيرة أبناء شعبنا فيالضفة الغربية وقطاع غزة.






وقالالعائدون من مرج الزهور: إن رحلة الإبعاد عادت عليهم بالخير الكبير علىعكس ما أراد الاحتلال، ويذكر الأستاذ حسني البوريني ذلك بالقول: "أرادتالحكومة (الإسرائيلية) من عملية الإبعاد إيقاف المقاومة وأضعاف الحركةالإسلامية بإبعاد رجالاتها، إلا أن إرادة الله فوق كل اعتبار فحولناالمنحة إلى محنة زادت من رصيد الحركة الإسلامية ليستالفلسطينيةفحسب بل العالمية، فقد دخل بعض زوار المخيم من الصحفيين في الإسلام منخلال حسن تعاملنا، ومن خلال عملية الإبعاد وصل صوت الحركة الإسلامية إلىأكثر من 100 دولة من خلال جيش الصحفيين والتي كانت الوفود منهم يومية،فعرضنا وجهة نظرنا وأسمعنا العالم صوتنا، وعرف العالم حقيقة الحكومةالصهيونية التي تدعي حماية حقوق الإنسان.






ويتذكر الشيخ داود أبو سير عدداً كبيراً من رفاق رحلة الإبعاد الذين هم الآن إماشهداء مثل الشيخين جمال سليم وجمال منصوروصلاح دروزة والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والعشرات غيرهم، وإما أسرى فيسجون الاحتلال مثل الشيخ أحمد الحاج علي، وجمال أبو الهيجاء وحسن يوسف،ويجمع المتحدثون على أن أكثر الشخصيات التي تأثروا بها هيشخصيةالدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي كان يستقبل الوفود الأجنبية والعربية،وكان ذو روح مرحة، يوصل الليل بالنهار لخدمة إخوانه...






يحيى بن عمر اللمتوني والمرابطون :






وفي سنة 445هـ= 1053 م يحدث ما هو متوقع وليس بغريب عن سنن الله سبحانه وتعالى فكماعهدنا أن من سنن الله سبحانه وتعالى أن يتقدم المسلمون ببطء في سلّمالارتفاع والعلو، ثم يفتح الله عليهم بشيء لم يكونوايتوقعونه،وكما حدث للمسلمين - كما ذكرنا - في عهد عبد الرحمن الناصر من دخول سرقسطةوموت عمر بن حفصون، أيضا في هذه البلاد تحدث انفراجة كبيرة، ويقتنع بفكرةالشيخ عبد الله بن ياسين وجماعته من شباب قبيلة جُدالةيحيى بن عمر اللمتوني ( ت 447 هـ= 1055 م )زعيم ثاني أكبر قبيلتين منقبائل صنهاجة وهي قبيلة لمتونة - القبيلة الأولى هي جُدالة كما ذكرنا -.






فدخل فيجماعة المرابطين، وعلى الفور وكما فعل الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضيالله عنه حين دخل الإسلام وذهب إلى قومه وكان سيدًا عليهم وقال لهم: إنكلام رجالكم ونسائكم وأطفالكم عليّ حرام، حتى تشهدوا أنه لا إله إلاالله وأنمحمدًا رسول الله، قام يحيى بن عمر اللمتوني وفعل الأمر نفسه، وذهب إلىقومه وأتى بهم ودخلوا مع الشيخ عبد الله بن ياسين في جماعته، وأصبحالثلاثمائة وألف سبعةَ آلافٍ في يوم وليلة، مسلمون كما ينبغي أن يكونالإسلام.




وفي مثاللحسن الختام وبعد قليل من دخول قبيلة لَمْتُونة في جماعة المرابطين يموتزعيمهم الذي دلّهم على طريق الهداية الشيخ يحيى بن عمر اللمتوني ( 447 هـ= 1055 م)، ثم يتولى من بعده زعامة القبيلةالشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني ( 480 هـ= 1087 م ).






دخل الشيخأبو بكر بن عمر اللمتوني بحماسة شديدة مع الشيخ عبد الله بن ياسين، وبدأأمرهم يقوى وأعدادهم تزداد، وبدأ المرابطون يصلون إلى أماكن أوسع حولالمنطقة التي كانوا فيها في شمال السنغال، فبدءوا يتوسعون حتى وصلت حدودهممن شمال السنغال إلى جنوب موريتانيا، وأدخلوا معهم جُدالة، فأصبحت جُدالةولَمْتُونة وهما القبيلتان الموجودتان في شمال السنغال وجنوب موريتانياجماعة واحدةً تمثّل جماعة المرابطين.







استشهاد الشيخ المؤسس المجاهد :






أما الشيخ "عبد الله بن ياسين" ففي إحدى جولاته وبينما يأمر بالمعروف وينهى عنالمنكر في إحدى القبائل، حاربوهوقاتلوه حتىاستشهد رحمه الله سنة 451 هـ= 1059 م بعد أن أمضى أحد عشر عامًا من تربيةالرجال على الجهاد والفقه الصحيح لمعاني الإسلام العظيمة، استُشهد رحمهالله وقد ترك اثنا عشر ألف مجاهد قد تربوا على منهج سول الله صلى اللهعليه وسلم وصحابته الكرام والسلف الصالح.






أبو بكر بن عمر اللمتوني وزعامة دولةالمرابطين :






بعد الشيخ "عبد الله بن ياسين" يتولّى الشيخ "أبو بكر بن عمر اللمتوني" ( 480 هـ= 1087 م ) زعامة جماعة المرابطين، وفي خلال سنتين من زعامته لهذه الجماعةالناشئة يكون قد ظهر في التاريخ ما يُعرف بدويلة المرابطين، وأرضها آنذاكشمال السنغال وجنوب موريتانيا، وهي بعد لا تكاد تُرى على خريطة العالم.






وبعد سنتينمن تولّي الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين، وفي سنة 453 هـ= 1061 م يسمع بخلاف قد نشب بين المسلمين في جنوب السنغال في منطقة بعيدةتمامًا عن دويلة المرابطين، ولعلمه أن الخلاف شر وأنه لو استشرى بين الناسفلن يكون هناك مجال للدعوة، نزل بعجالة ليحلّ هذا الخلاف رغم أن الناسليسوا في جماعته وليسوا من قبيلته، لكنه وبحكمة شديدة يعلم أنه الحق ولابد له من قوة تحميه.






وفي السنةالمذكورة كان قد وصل تعداد المرابطين قرابة الأربعة عشر ألفا، فأخذ نصفهموجاب أعماق السنغال في جنوبها ليحل الخلاف بين المتصارعين هناك، تاركًازعامة المرابطين لابن عمه يوسف بن تاشفين (410 - 500 هـ= 1019 - 1106 م ) رحمه الله.






يستطيع أبوبكر بن عمر اللمتوني أن يحل الخلاف الذي حدث في جنوب السنغال، لكنه يفاجأبشيء عجيب، فقد وجد في جنوب السنغال وبجانب هذه القبائل المتصارعة قبائلأخرى وثنية لا تعبد الله بالكلية، وجد قبائل تعبد الأشجار والأصنام وغيرذلك، وجد قبائل لم يصل إليها الإسلام بالمرة.





حزّ ذلك فينفسه رحمه الله حيث كان قد تعلّم من الشيخ عبد الله بن ياسين أن يحمل همّالدعوة إلى الله، وأن يحمل همّ هداية الناس أجمعين حتى إن لم يكونوامسلمين، وأن يسعى إلى التغيير والإصلاح بنفسه، فأقبل الشيخ أبو بكر بن عمراللمتوني بالسبعة آلاف الذين معه يعلمونهم الإسلام ويعرفونهم دين الله،فأخذوا يتعلمون ويتعجبون: كيف لم نسمع بهذا الدين من قبل! كيف كنا بعيدينعن هذا الدين الشامل المتكامل! حيث كانوا يعيشون في أدغال أفريقيا ويفعلونأشياء عجيبة، ويعبدون أصنامًا غريبة، ولا يعرفون لهم ربًا ولا إلهًا.






وبصبرٍ شديدٍظلّ أبو بكر بن عمر اللمتوني يدعوهم إلى الإسلام، فدخل منهم جمع كثيروقاومه جمع آخر؛ ذلك لأن أهل الباطل لا بدّ وأن يحافظوا على مصالحهم، حيثأنهم مستفيدون من وجود هذه الأصنام، ومن ثَمّ فلا بدّ وأن يقاوموه،فصارعهم أيضًا والتقى معهم في حروب طويلة.






ظلّ الشيخأبو بكر بن عمر اللمتوني يتوسع في دعوته ويتنقل من قبيلة إلى قبيلة، وفي 468 هـ= 1076 م وبعد خمس عشرة سنة كاملة من تركه جنوب موريتانيا وهو زعيمعلى دويلة المرابطين، يعود رحمه الله بعد مهّمة شاقة في سبيل الله عز وجليدعو إلى الله على بصيرة، فيُدخل في دين الله ما يُدخل، ويحارب من صدالناس عن دين الله سبحانه وتعالى حتى يرده إلى الدين أو يصده عن صده.






))لقد كانأبو بكر بن عمر من أعظم قادة المرابطين، واتقاهم وأكثرهم ورعًا ودينًاوحبًا للشهادة في سبيل الله، وساهم في توحيد بلاد المغرب، ونشر الإسلام فيالصحارى القاحلة وحدود السنغال والنيجر، وجاهد القبائل الوثنية حتى خضعتوانقادت للإسلام والمسلمين، ودخل من الزنوج أعداد كبيرة في الإسلام،وساهموا في بناء دولة المرابطين الفتيّة، وشاركوا في الجهاد في بلادالأندلس وصنعوا مع إخوانهم المسلمين في دولة المرابطين حضارة متميّزة)) د. الصلابي - الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين.






يوسف بن تاشفين ومهام صعبة :





قال "الذهبي" في "سير أعلام النبلاء": كان ابن تاشفين (410 - 500 هـ= 1019 - 1106 م ) كثير العفو، مقربًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا، خفيف اللحية، دقيق الصوت،سائسًا، حازمًا، يخطب لخليفة العراق...

ووصفه "ابن الأثير" في "الكامل" بقوله:





كان حليمًاكريمًا، دينًا خيرًا، يحب أهل العلم والدين، ويحكّمهم في بلاده، ويبالغ فيإكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدُهم، خشع عند استماعالموعظة، ولان قلبُه لها، وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوبالعظام...

منذ أن ترك الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني دويلة المرابطين في جنوب موريتانياوشمال السنغال في سنة 453هـ= 1061 موالشيخ يوسف بن تاشفين ينتظر وصوله، مرّ يوم ويومان وشهر وشهران ولم يرجع،وحين علم أنه قد توغّل في أفريقيا ما كان منه رحمه الله إلا أن بدأ ينظرفي الشمال باحثًا عمن ابتعد عن دين الله يعلّمه ويردّه إليه.
نظريوسف بن تاشفين في شمال موريتانيا (المنطقة التي تعلوه) وفي جنوب المغربالعربي فرأى من حال البربر الذين يعيشون في هذه المنطقة وبالتحديد في سنة 453 هـ= 1061 م رأى أمورًا عجبًا، هذه بعض منها:






أولًا: قبيلة غمارة:






هي من قبائلالبربر وقد وجد فيها رجلًا يُدعى حاييم بن منّ الله يَدّعي النبوة وهو منالمسلمين، والغريب أنه لم ينكر نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قالإنه نبي على دين الإسلام، ثم أخذ يُشرّع للناس شرعًا جديدًا وهم يتبعونهفي ذلك ويظنون أن هذا هو الإسلام.

فرضحاييم بن منّ الله على قبيلته صلاتين فقط في اليوم والليلة، إحداها فيالشروق والأخرى في الغروب، وبدأ يؤلّف لهم قرآنًا بالبربرية، ووضع عنهمالوضوء، ووضع عنهم الطُّهر من الجنابة، كما وضع عنهم فريضة الحج، وحرّمعليهم أكل بيض الطيور وأحلّ لهم أكل أنثى الخنزير، وأيضا حرّم أكل السمكحتى يُذبح.
وإنهلخلط وسَفه بَيّنٌ خاصة حين يَدّعي أنّه من المسلمين، كما أنه من العجب أنيتبعه الناس على هذا الأمر ويعتقدون أن هذا هو الاسلام.






ثانيا: قبيلة برغواطة:

هيقبيلة أخرى من قبائل البربر في تلك المنطقة، على رأسها كان رجل يُدعى صالحبن طريف بن شمعون، ذلك الذي لم يكن بصالح ادّعى أيضًا النبوة، وفرض علىالناس خمس صلوات في الصباح وخمس في المساء، وفرض عليهم نفس وضوء المسلمينبالإضافة إلى غسل السُّرّة وغسل الخاصرتين، كما فرض عليهم الزواج من غيرالمسلمات فقط، وجوّز لهم الزواج بأكثر من أربعة، وأيضًا فرض عليهم تربيةالشعر للرجال في ضفائر وإلا أثموا، ومع كل هذا فقد كان يدّعي أنه منالمسلمين.






ثالثا: قبيلة زناتة:






كانت قبيلةزناته من القبائل السنيّة في المنطقة، وكانت تعرف جزءًا من الإسلام، هوجانب العبادات وأمور العقيدة، فقد كانوا يصلون كما ينبغي أن تكون الصلاة،ويزكون كما يجب أن تكون الزكاة، لكنهم كانوا يسلبون وينهبون مَنْ حولهم،والقوي فيهم يأكل الضعيف، فَصَلُوا الدين تماما عن أمور الدنيا وسياسةالحياة العامة، فلم يكن الدين عندهم إلا صلاة وصيام وحج، وفي غير ذلك منالمعاملات افعل ما بدا لك ولا حرج.






كان من هذاالقبيل الكثير والكثير الذي يكاد يكون قد مرق من الدين بالكلية، وقد كانتهناك قبيلة أخرى تعبد الكبش وتتقرب به إلى رب العالمين، وبالتحديد في جنوبالمغرب، تلك البلاد التي فتحها عقبة بن نافع ثم موسى بن نصير رضي اللهعنهما.






يوسف بن تاشفين وصناعة النصر والحضارة






شق ذلك الوضعكثيرًا على يوسف بن تاشفين رحمه الله فأخذ جيشه وانطلق إلى الشمال ليدعوالناس إلى الإسلام، دخل معه بعضهم لكن الغالب قاومه وحاربه، فحاربه حاييمبن منّ الله، وحاربه صالح بن طريف، وحاربته كل القبائل الأخرى في المنطقة،حتى حاربته قبيلة زناتة السنية، فحاربهم بالسبعة آلاف رجل الذين تركهم معهأبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله، وبمرور الأيام بدأ الناس يتعلمون منهالإسلام ويدخلون في جماعته المجاهدة.





وبعد رجوعالشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني في سنة 468 هـ= 1076 م وبعد خمس عشرة سنةمن الدعوة - كما ذكرت - في جنوب السنغال وأدغال أفريقيا، يرى يوسف بنتاشفين رحمه الله الذي كان قد تركه فقط على شمال السنغال وجنوب موريتانيافي سنة 453 هـ= 1061 م يراه أميرًا على: السنغال بكاملها، وموريتانيابكاملها، والمغرب بكاملها، والجزائر بكاملها، وتونس بكاملها، وعلى جيش يصلإلى مائة ألف فارس غير الرجالة، يرفعون راية واحدة ويحملون اسم المرابطين.







وجد أبو بكربن عمر اللمتوني كذلك أن هناك مدينة قد أُسست على التقوى لم تكن على الأرضمطلقا قبل أن يغادر، وتلك هي مدينة "مراكش"، والتي أسسها الأمير يوسف بنتاشفين، وكان أول بناء له فيها هو المسجد الذي بناه بالطين والطوب اللبن،تمامًا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحمل بنفسه الطين معالناس تشبهًا أيضًا بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأمير على مائة ألففارس.






وكذلك وجدالشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني رجلًا قد أسس حضارة لم تُعرف في المنطقةمنذ سنوات وسنوات، ثم هو بعد ذلك يراه زاهدا متقشفًا ورعًا تقيًا، عالمًابدينه طائعًا لربه، فقام الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بعمل لم يحدث إلافي تاريخ المسلمين فقط، حيث قال ليوسف بن تاشفين: أنت أحق بالحكم مني، أنتالأمير، فإذا كنتُ قد استخلفتُك لأجلٍ حتى أعود فإنك تستحق الآن أن تكونأميرًا على هذه البلاد، أنت تستطيع أن تجمع الناس، وتستطيع أن تملك البلادوتنشر الإسلام أكثر من ذلك، أما أنا فقد ذقت حلاوة دخول الناس في الإسلام،فسأعود مرة أخرى إلى أدغال أفريقيا أدعو إلى الله هناك.






أبو بكر بن عمر اللمتوني رجل الجهاد والدعوة :






نزل الشيخأبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله مرة أخرى إلى أدغال أفريقيا يدعو منجديد، فأدخل الإسلام في غينيا بيساو جنوب السنغال، وفي سيراليون، وفي ساحلالعاج، وفي مالي، وفي بوركينا فاسو، وفي النيجر، وفي غانا، وفي داهومي،وفي توجو، وفي نيجريا وكان هذا هو الدخول الثاني للإسلام في نيجريا؛ حيثدخلها قبل ذلك بقرون، وفي الكاميرون، وفي أفريقيا الوسطى، وفي الجابون.





فكانت أكثرمن خمس عشرة دولة أفريقية قد دخلها الإسلام على يدِ هذا المجاهد البطلالشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله هذا الرجل الذي كان إذا دعا إلىالجهاد في سبيل الله - كما يذكر ابن كثير في البداية والنهاية - كان يقومله خمسمائة ألف مقاتل، أي نصف مليون من المقاتلين الأشداء غير من لايقومون من النساء والأطفال، وغير بقية الشعوب في هذه البلاد من أعداد لاتحصى قد هداها الله على يديه.






وما من شكأنه كلما صلى رجل صلاة في النيجر أو في مالي أو في نيجريا أو في غانا،كلما صلى رجل صلاة هناك، وكلما فعل أحد منهم من الخير شيئا أُضيف إلىحسنات الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني ومن معه رحمهم الله.






قالالحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: "أبو بكر بن عمر أمير الملثمين كانفي أرض فرغانة، اتفق له من الناموس ما لم يتفق لغيره من الملوك، كان يركبمعه إذا سار لقتال عدو خمسمائة ألف مقاتل، كان يعتقد طاعته، وكان مع هذايقيم الحدود ويحفظ محارم الاسلام، ويحوط الدين ويسير في الناس سيرة شرعية،مع صحة اعتقاده ودينه، وموالاة الدولة العباسية، أصابته نشابة في بعضغزواته في حلقه فقتلته..."






ها هو رحمهالله وبعد حياة طويلة متجردة لله سبحانه وتعالى يستشهد في إحدى فتوحاته فيسنة 480 هـ= 1087 م، وما استمتع بملكٍ قط بل كان يغزو في كل عام مرتين،يفتح البلاد ويعلّم الناس الإسلام، لتصبح دولة المرابطين قبل استشهادهرحمه الله ومنذ سنة 478 هـ= 1085 م متربعة على خريطة العالم ممتدة من تونسفي الشمال إلى الجابون في وسط أفريقيا، وهي تملك أكثر من ثلث مساحةأفريقيا.






لذلك حين قرأ "ألفونسو السادس" رد "المعتمد على الله بن عباد" أمير إشبيلية المحاصرة منقِبل الأول: لأروحنّ لك بمروحة من المرابطين، علم أنه سيواجه ثلث أفريقيا،وعلم أنه سيقابل أقوامًا عاشوا على الجهاد سنوات وسنوات، فقام من توّهبفكّ الحصار ثم الرحيل.






دولة المرابطين ويوسف بن تاشفين أمير المسلمين وناصر الدين :






كانت بدايةحديثنا عن تاريخ المرابطين هو سنة 440 هـ= 1048 م وكانت البداية برجل واحدفقط هو الشيخ عبد الله بن ياسين، ثم كان الصبر والتربية المتأنية فيالدعوة إلى الله على النهج الصحيح القويم ليصل عدد المرابطين وينتشرونبهذا الحجم الذي أشرنا إليه، والذي يمثّل الآن أكثر من عشرين دولة أفريقية.






فقط كان ذلكبعد ثمان وثلاثين سنة، وتحديدًا في سنة 478 هـ= 1085م، ويصبح يوسف بنتاشفين رحمه الله زعيم هذه الدولة العظيمة، ويسمي نفسه: أمير المسلمينوناصر الدين، وحين سُئِل لماذا لا تتسمى بأمير المؤمنين؟ أجاب: هذا شرف لاأدّعيه، هذا شرف يخصّ العباسيين وأنا رجلهم في هذا المكان.






كانالعباسيون في هذه الفترة لا يملكون سوى بغداد فقط، وكان يوسف بن تاشفينيريد للمسلمين أن يكونوا تحت راية واحدة، ولم يُرِد رحمه الله أن يشق عصاالخلافة، ولا أن ينقلب على خليفة المسلمين، وكان يتمنى أن لو استطاع أنيضم قوته إلى قوة الخليفة العباسي هناك، ويصبح رجلًا من رجاله في هذهالبلاد فقال مجمّعا مؤمّلا: وأنا رجلهم في هذا المكان، وهذا هو الفقهالصحيح والفهم الشامل للإسلام...







يوسف بن تاشفين ووفد الأندلس:







في سنة 478 هـ= 1085م وفي مراكش يستقبل يوسف بن تاشفين الوفد الذي جاء من قِبل بعض ملوكالطوائف يطلبون العون والمساعدة في وقف وصدّ هجمات النصارى عليهم، وإذا بهرحمه الله يتشوّق لمثل ما يطلبون، حيث الجهاد في سبيل الله ومحاربةالنصارى، فيالها من نعمة، ويالها من أمنية.





ما كان منه رحمه الله إلا أن انطلق معهموبنحو سبعة آلاف فقط من المجاهدين،رغم أن قوته في الشمال الأفريقي مائة ألف مقاتل، وكان لديه في الجنوب خمسمائة ألف،وقد كان هذا ملمح ذكاءٍ منه؛ إذ لم يكن رحمه الله وهو القائد المحنك ليخرجويلقِي بكل قواته في الأندلس، ويتحرك بعشوائية تاركًا وراءه هذه المساحاتالشاسعة في شمال وجنوب أفريقيا بلا حراسة ولا حماية، ومن ثَمّ فقد رأى أنيظلّ أحد الجيوش رابضًا في تونس وآخر في الجزائر ومثله في المغرب وهكذا فيكل البلاد الإفريقيه التي فُتحت.






أعدّ العدة رحمهالله وجهّز السفن، وبينما يعبر مضيق جبل طارق، وفي وسطه يهيج البحر وترتفعالأمواج وتكاد السفن أن تغرق، وكما كان قائدًا يقف هنا قدوة وإمامًا،خاشعًا ذليلًا، يرفع يديه إلى السماء ويقول:






اللهم إن كنت تعلمأن في عبورنا هذا البحر خيرا لنا وللمسلمين فسهّل علينا عبوره، وإن كنتتعلم غير ذلك فصعّبه علينا حتى لا نعبره، فتسكن الريح، ويعبر الجيش، وعندأول وصول له، والوفود تنتظره ليستقبلونه استقبال الفاتحين، يسجد لله شكرًاأن مكنّه من العبور، وأن اختاره ليكون جنديًا من جنوده سبحانه وتعالىومجاهدًا في سبيله.






يوسف بن تاشفين وقدوة كانت قد افتقدت وغُيّبت:





يدخل يوسف بنتاشفين أرض الأندلس، ويدخل إلى إشبيلية والناس يستقبلونه استقبالالفاتحين، ثم يعبر في اتجاه الشمال إلى ناحية مملكة "قشتالة" النصرانية،تلك التي أثارت الرعب في قلوب كل الأمراء الموجودين في بلاد الأندلس فيذلك الوقت، يتجه إليها في عزّة نفس ور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mazikaup.ahlamontada.com
To Night
المدير
المدير
To Night


عدد المساهمات : 261
تاريخ التسجيل : 19/05/2012
العمر : 33

التاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين))) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين)))   التاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين))) I_icon_minitimeالثلاثاء 29 مايو 2012, 1:26 am




في هذه الليلة يرى ابن رُمَيْلَة هذا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: يا ابن رمُيْلَة، إنكم منصورون، وإنك ملاقين.

يستيقظ ابنُرُمَيْلَة من نومه وهو الذي يعلم أن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم فيالمنام حق؛ لأن الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم ففي البخاري بسندهعن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّالشَّيْطَانَ لَا يَتَخَيَّلُ بِي وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ"






يقوم الشيخ فرحًامسرورًا، لا يستطيع أن يملك نفسه، فقد بشّره رسول الله صلى الله عليهوسلم، وسيموت في سبيل الله، فالْحُسْنَيَيْن أمام عينيه، نصر للمؤمنينوشهادة تناله، فيالها من فرحة، وياله من أجر.

وعلى الفور يذهبابن رُمَيْلَة رحمه الله في جنح الليل فيوقظ يوسف بن تاشفين، ويوقظالمعتمد على الله بن عبّاد الذي كان يقود وحدة كبيرة من قوات الأندلس،ويوقظ المتوكل بن الأفطس وعبد الله بن بلقين، ويوقظ كل قوّاد الجيش، ويقصّعليهم رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم.






هزّت تلك الرؤيايوسف بن تاشفين وكلّ قواد الجيش، وقاموا من شدة فرحهم وفي منتصف الليلوأيقظوا الجيش كله على صوت: رأى ابن رُمَيْلَة رسول الله صلى الله عليهوسلم يقول له: إنكم لمنصورون وإنك ملاقين.

وفي لحظة لميتذوقوها منذ سنوات وسنوات في أرض الأندلس، يعيش الجيش كله أفضل لحظاتالسعادة، وتتوق النفوس إلى الشهادة، ويأمر يوسف بن تاشفين بقراءة سورةالأنفال، ويأمر الخطباء بتحفيز الناس على الجهاد، ويمرّ هو بنفسه رحمهالله على الفصائل ينادي ويقول: طوبى لمن أحرز الشهادة، ومن بقي فله الأجروالغنيمة.
قال في الروض المعطار: ووعظ يوسف وابن عباد أصحابهما، وقام الفقهاء والعباد يعظون الناس ويحضونهم على الصبر ويحذرونهم الفرار...






مخابرات ابن عباد تراقب الموقع:






ولما ازدلف بعضهمإلى بعض أذكى المعتمد عيونه في محلات الصحراويين خوفاً عليهم من مكايد ابنفرذلند إذ هم غرباء لا علم لهم بالبلاد، وجعل يتولى ذلك بنفسه حتى قيل إنالرجل من الصحراويين - المرابطين - كان يخرج عن طرق محلاتهم لبعض شأنه أولقضاء حاجته فيجد ابن عباد بنفسه مطيفاً بالمحلة بعد ترتيب الكراديس - الكُرْدُوْسُ الخَيْلُ العَظِيْمَةُ - من خيل على أفواه طرق محلاتهم، فلايكاد الخارج منهم عن المحلة يخطئ ذلك من لقاء ابن عباد لكثرة تطوافهعليهم...






المخابرات الإسلامية تنقل الأخبار بسرعة ودقة






جاء في الليلفارسان من طلائع المعتمد يخبران أنهما أشرفا على محلة "ألفونسو" وسمعاضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة ثم تلاحق بقية الطلائع محققين بتحرك ابنفرذلند - ألفونسو - ثم جاءت الجواسيس من داخل محلات ابن فرذلند يقولون: استرقنا السمع الساعة، فسمعنا ابن فرذلند يقول لأصحابه: ابن عباد مسعر هذهالحروب، وهؤلاء الصحراويون وإن كانوا أهل حفاظ وذوي بصائر في الجهاد، غيرعارفين بهذه البلاد وإنما قادهم ابن عباد، فاقصدوه واهجموا عليه، وإنانكشف لكم هان عليكم هؤلاء الصحراويون بعده ولا أرى ابن عباد يصبر لكم إنصدقتموه الحملة. وعند ذلك بعث ابن عباد كاتبه أبا بكر بن القصيرة إلى يوسفيعرفه بإقبال ابن فرذلند ويستحث نصرته، فمضى ابن القصيرة يطوي المحلات حتىجاء يوسف بن تاشفين فعرفه جلية الأمر...






الجيش الإسلامي وخطة الإعداد والهجوم:






بعد ترتيب الجيش وصلاة فجر يوم الجمعةالموافق 12 من شهر رجب 479 هـ= 23 من أكتوبر 1086 م، لم تكن مفاجأة ليوسفبن تاشفين أن يخالف "ألفونسو السادس" طبيعته وينقض عهده ويبدأ بالهجوم فيذلك اليوم،إذ الغدر والخيانة ومخالفة العهود هو الأصلعندهم،وهو ما يجب أن نعلمه جميعًا.






أما المفاجئة فأصابت "ألفونسو السادس" الذي وجد الجيش الإسلامي على أتمّ تعبئة وأفضل استعداد، وبخطة محكمة، كانيوسف بن تاشفين قد قسّم الجيش إلى نصفين، نصف أمامي ونصف خلفي، أما النصفالأمامي فقد طلب المعتمد على الله بن عبّاد أن يكون على قيادته على من معهمن الأندلسيين، يريد بذلك أن يكون بين المسلمين وبين النصارى، يريد أنيغسل عار السنين السالفة، يريد أن يمحو الذل الذي أذاقه إياه ألفونسوالسادس، إنه يريد أن يتلقى الضربة الأولى من جيش النصارى.

في نصف عدد الجيش، وفي خمسة عشر ألف مقاتل يقف المعتمد على الله بن عبّاد فيمقدمة الجيش ومن خلفه داود بن عائشة كبير قوّاد المرابطين، أما النصفالثاني أو الجيش الخلفي ففيه يوسف بن تاشفين رحمه الله يختفي خلف أحدالتلال البعيدة تمامًا عن أرض المعركة، ويضم أيضًا خمسة عشر ألف مقاتل،ويستبقي من الجيش الثاني أو الخلفي الذي فيه يوسف بن تاشفين أربعة آلافمقاتل، فيبعدهم أكثر عن هذا الجيش الخلفي، وقد كان هؤلاء الأربعة آلاف منرجال السودان المهرة، يحملون السيوف الهندية والرماح الطويلة، وكانوا أعظمالمحاربين في جيش المرابطين، فاستبقاهم يوسف بن تاشفين في مؤخرة الجيش.






أصبح جيش المسلمين مقسمًا إلى ثلاثفرق، الفرقة الأولى وهي المقدمة بقيادة المعتمد على الله وتضم خمسة عشرألف مقاتل، والفرقة الثانية خلف الأولى وعلى رأسها يوسف بن تاشفين وتضمأحد عشر ألف مقاتل، ومن بعيد تنتظر الفرقة الثالثة وتضمّ أربعة آلاف مقاتلهم من أمهر الرماة والمحاربين.






لم تكن خطة يوسف بن تاشفين رحمه اللهجديدة في حروب المسلمين، فقد كانت هي نفس الخطة التي استعملها خالد بنالوليد رضي الله عنه في موقعة الولجة في فتوح فارس، وهي أيضا نفس الخطةالتي استعملها النعمان بن مقرن رضي الله عنه في موقعة نهاوند في فتوح فارسأيضا، فكان رحمه الله رجلا يقرأ التاريخ ويعرف رجالاته ويعتبر بهم.






الزَّلَّاقةُ ومعركة الوجود الإسلامي في الأندلس:






لما كان يوم الجمعة الموافق 12 من شهررجب 479 هـ= 23 من أكتوبر 1086 م هجم "ألفونسو السادس" بستين ألفًا منالنصارى على الجيش الأول للمسلمين المؤلّف من خمسة عشر ألف فقط، وقد أراديوسف بن تاشفين من وراء ذلك أن تحتدم الموقعة فتُنْهك قوى الطرفين حتى لايستطيعان القتال، وكما يحدث في سباق الماراثون فيقوم هو ويتدخل بجيشهليعدل الكفة لصالح صف المسلمين.

وأمام أمواج تتلوها أمواج وأسراب تتبعها أسراب، يصبر المسلمون أمام ستين ألفا منالنصارى...



المعتمد بن عباد في قلب المعركة:






مال ألفونسو السادس على المعتمد بجموعهوأحاطوا به من كل جهة فاستحر القتل فيهم، وصبر ابن عباد صبراً لم يعهدمثله لأحد، واستبطأ يوسف وهو يلاحظ طريقه، وعضته الحرب واشتد البلاء وأبطأعليه الصحراويون، وساءت ظنون أصحابه، وانكشف بعضهم وفيهم ابنه عبد الله،وأثخن ابن عباد جراحات وضرب على رأسه ضربة فلقت هامته حتى وصلت إلى صدغه،وجرحت يمنى يديه وطعن في أحد جانبيه وعقرت تحته ثلاثة أفراس كلما هلك واحدقدم له آخر وهو يقاسي حياض الموت يضرب يميناً وشمالاً، وتذكر في تلك الحالابناً له صغيراً كان مغرماً به، كان تركه بإشبيلية عليلاً اسمه المعلىوكنيته أبو هاشم فقال:






أبا هاشـم هشـمتني الشـفار فلله صبري لذاك الأوار

ذكرت شخيصك تحت العجاج فلم يثنـني ذكره للفرار






ثم كان أول من وافى ابن عباد من قواد ابن تاشفين، داود بن عائشة، وكان بطلاًشهماً فنفس بمجيئه عن ابن عباد...

وهناكوبعد عصر ذلك اليوم يشير يوسف بن تاشفين إلى من معه أن انزلوا وساعدواإخوانكم، وذلك بعد أن كانت قد أُنهكت قوى الطرفين من المسلمين والنصارى،وبعد طول صبر ينزل يوسف بن تاشفين بالأحد عشر مقاتلًا الذين كانوا معه وهمفي كامل قوتهم، فيحاصرون الجيش النصراني.






قسّم يوسف بن تاشفين الجيش الذي كانمعه إلى قسمين، فالأول يساعد مقدمة المسلمين، والثاني يلتفّ خلف جيشالنصارى، وكان أول فعل له خلف جيش النصارى هو أن حرّق خيامهم، وذلك حتىيعلم النصارى أن يوسف بن تاشفين ومن معه من ورائهم وهم محيطون بهم، فقدكان يعلم رحمه الله أن مثل هؤلاء الناس لا يهمهم من الدنيا إلا أن يظلواأحياء، وأن ينجوا بأنفسهم.






حين علم النصارى أن المسلمين من ورائهموأنهم محاصرون دبّت الهزيمة في قلوبهم، وبدأ الخلل يتغلغل في صفوفهم،وبالفعل بدأ الانسحاب التدريجي التكتيكي الذي يحاول أقل خسارة ممكنة، وقدالتفّ الناس حول ألفونسو السادس يحمونه، ثم حدثت خلخلة عظيمة في جيشهم.






وفي الضربة الأولى ليوسف بن تاشفين يُقتل من النصارى عشرة آلاف رجل، وفي وصفلهذا القائد في تلك المعركة يقولالمؤرخون بأن يوسف بن تاشفين وهوالأمير على ثلث إفريقيا كان في هذه الموقعة يتعرض للموت ويتعرض للشهادةولا يصيبها، يلقي بنفسه في المهالك، رحمه الله ورضي عنه وعن أمثاله.






تزداد شراسة الموقعة حتى قبيل المغرب،ثم ومن بعيد يشير يوسف بن تاشفين إلى الأربعة آلاف فارس أو الفرقة الثالثةوالأخيرة، والتي كانت من رجال السودان المهرة، فيأتون فيعملون القتل فيالنصارى ويستأصلونهم.

وتنجليالحقيقة المروّعة لأعداء الله عن قتل خمسين وخمسمائة وتسع وخمسين ألفًا منالنصارى من مجموع ستين ألفا منهم، ممن كانوا سيهزمون الإنس والجنوالملائكة، في موقعة كانت تنزلق فيها أقتاب الخيول وأرجل الفرسان من كثرةالدماء في هذه الأرض الصخرية، حتى سُمّيت من بعدها بالزلَّاقة.






وكان قد بقي من النصارى أربعمائةوخمسون فارسًا فقط، منهم ألفونسو السادس الذي نجا من الموت بساق واحدة، ثمانسحب في جنح الظلام بمن معه إلى طليطلة، وقد مات منهم في الطريق من أثرالجراح المثخنة ثلاثمائة وخمسون فارسا، وهناك دخل طليطلة بمائة فارس فقط.

فكانت الزلاقة دون مبالغة كاليرموك والقادسية...






لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا






بعد هذه المعركة جمع المسلمون منالغنائم الكثير، لكن يوسف بن تاشفين وفي صورة مشرقة ومشرّفة من صورالإخلاص والتجرد وفي درس عملي بليغ لأهل الأندلس عامة ولأمرائهم خاصة يترككل هذه الغنائم لأهل الأندلس، ويرجع في زهدٍ عجيب وورع صادق إلى بلادالمغرب، لسان حاله: [لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءًوَلَا شُكُورً] {الإنسان:9}.






قال المقري في نفح الطيب: وأقامتالعساكر بالموضع أربعة أيام، حتى جمعت الغنائم، واستؤذن في ذلك السلطانيوسف، فعفّ عنها، وآثر بها ملوك الأندلس، وعرفهم أن مقصده الجهاد والأجرالعظيم، وما عند الله في ذلك من الثواب المقيم، فلما رأت ملوك الأندلسإيثار يوسف لهم بالغنائم استكرموه، وأحبوه وشكروا له ذلك.

يعود رحمه الله إلى بلاد المغرب ليس معه إلا وعودًا منهم بالوحدة والتجمع ونبذالفرقة، والتمسك بكتاب الله وبسنة رسولهصلى الله عليه وسلم، وقد نصحهم باتباعسنة الجهاد في سبيل الله، وعاد يوسف بن تاشفين البطل الإسلامي المغواروعمره آنذاك تسع وسبعون سنة!!
كانمن الممكن له رحمه الله أن يرسل قائدا من قواده إلى أرض الأندلس ويبقى هوفي بلاد المغرب، بعيدا عن تخطي القفار وعبور البحار، وبعيدا عن ويلاتالحروب وإهلاك النفوس، وبعيدا عن أرض غريبة وأناس أغرب، لكنه رحمه اللهوهو الشيخ الكبير يتخطى تلك الصعاب ويركب فرسه ويحمل روحه بين يديه، لسانحاله: أذهب إلى أرض الجهاد لعلّي أموت في سبيل الله، شعاره هو:






إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومٍ فَلَا تَقْنَعُ بِمَا دُونَ النُّجُومِ

فَطَعْمُ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ حَقِيرٍ كَطَعْمِ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍعَظِيمٍ






المعتمد على الله بن عباد وشرف الجهاد






ولما دخل ابن عباد اشبيلية جلس للناسوهُنئ بالفتح، وقرأت القراء وقامت على رأسه الشعراء فأنشدوه، قال عبدالجليل بن وهبون: حضرت ذلك اليوم وأعددت قصيدة أنشده إياها فقرأ القارئ: [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُاللَّهُ] {التوبة 40} فقلت: بعداً لي ولشعري، والله ما أبقت لي هذه الآية معنىأحضره وأقوم به؛ واستشهد في هذا اليوم جماعة من أعيان الناس كابن رميلةالمتقدم الذكر وقاضي مراكش أبي مروان عبد الملك المصمودي وغيرهما، وطارذكر ابن عباد بهذه الوقيعة وشهر مجده، ومالت إليه القلوب، وسالمته ملوكالطوائف، وخاطبوه جميعاً بالتهنئة، ولم يزل ملحوظاً معظماً إلى أن كان منأمره مع يوسف ما كان... الروض المعطار في خبر الأقطار – الحِميري






مصير ألفونسو السادس:

لمابلغ - ألفونسو السادس - إلى بلاده وسأل عن أبطاله وشجعانه وأصحابهم ففقدهمولم يسمع إلا نواح الثكلى عليهم، اهتمّ ولم يأكل ولم يشرب حتى هلك هماًوغمًا، فكان مصيره جهنم وبئس المصير...






صراعات ملوك الطوائف وعودة يوسف بن تاشفين من جديد:






بعد عودة يوسف بن تاشفين إلى أرضالمغرب، حدثت الصراعات بين أمراء المؤمنين الموجودين في بلاد الأندلس بسببالغنائم وتقسيم البلاد المحرّرة.

وهنا ضج علماء الأندلس وذهبوا يستنجدون بيوسف بن تاشفين من جديد، لا لتخليصهمهذه المرة من النصارى، وإنما لإنقاذهم من أمرائهم...






يتورّع يوسف بن تاشفين عن هذ الأمر، إذكيف يهجم على بلاد المسلمين وكيف يحاربهم؟! فتأتيه رحمه الله الفتاوى منكل بلاد المسلمين تحمّله مسئولية ما يحدث في بلاد الأندلس إن هو تأخرعنها، وتحذّره من ضياعها إلى الأبد، وتطلب منه أن يضمها إلى أملاكالمسلمين تحت دولة واحدة وراية واحدة، هي دولة المرابطين.






فجاءته الفتوى بذلك من بلاد الشام منأبي حامد الغزالي صاحب "إحياء علوم الدين"، وقد كان معاصرًا لهذه الأحداث،وجاءته الفتوى من أبي بكر الطرطوشي العالم المصري الكبير، وجاءته الفتوىمن كل علماء المالكية في شمال أفريقيا.

لميجد يوسف بن تاشفين إلا أن يستجيب لمطلبهم، فقام في سنة 483 هـ= 1090 موبعد مرور أربعة أعوام على موقعة الزَلَّاقة، وجهّز نفسه ودخل الأندلس.






((الواقع يقول أن ابن تاشفين لم يطمعفي الأندلس وتردد كثيرًا قبل العبور، وعف عن الغنائم بعد ذلك وتركهاللمعتمد ولأمراء الأندلس ولم يأخذ منها شيئًا، وكان عودته، ثم يعود فيالجواز الثاني بسبب اختلافات ملوك الطوائف، وتحالف بعضهم مع عدو الإسلام،وكان الجواز الثالث لوضع حد لمهزلة ملوك الطوائف، لقد آن - وباسم الإسلام - لهذه الدويلات الضعيفة المتناحرة المتحالف بعضها مع الأعداء أنتنتهي...))...الزلاقة - د. شوقي أبو خليل






يوسف بن تاشفين ودولة واحدة على المغرب والأندلس:






لم يكن دخول يوسف بن تاشفين الأندلسأمرًا سهلًا، فقد حاربه الأمراء هناك بما فيهم المعتمد على الله بن عبّاد،ذلك الرجل الذي لم يجد العزّة إلا تحت راية يوسف بن تاشفين رحمه الله قبلوبعد الزلاقة، قام المعتمد على الله بمحاربته وأنّى له أن يحارب مثله...






استعرت نار الحرب بين المرابطين وملوكالطوائف وانتهت بضم كل ممالك الأندلس لدولة المرابطين إلا "سرقسطة" التيحكمها أحمد بن هود، والذي كان كالشوكة في حلق النصارى، فقد قاومهم زمنًاطويلًا، وتراجع النصارى أمام صمود بني هود البطولي، وأظهر بنود هود مقدرةفائقة على قتال النصارى مما جعل المرابطين يحترمونهم، وتوطدت العلاقةالودية بين الأمير يوسف والأمير احمد بن هود الذي كان وفيًا في عهوده،ومخلصًُا في جهاده، وحريصًا على أمته، ورضي المرابطون ببقاء أحمد بن هودحاكمًا تابعًا لهم، وبذلك أصبحت الأندلس ولاية تابعة لدولة المرابطين،وتوارت العناصر والزعامات الهزيلة وانهار سلطان العصبيات الطائفية. الأندلس في عصر المرابطين ص 112






فاستطاع يوسف بن تاشفين أن يضمّ كلبلاد الأندلس تحت لوائه، وأن يحرّر "سرقسطة"، تلك التي كان النصارى قدأخذوها بعد أن قسّمها أميرها بين ولديه واستطاع أن يضمّها إلى بلادالمسلمين، وقد أصبح أميرًا على دولة تملك من شمال الأندلس وبالقرب منفرنسا وحتى وسط أفريقيا، دولة واحدة اسمها دولة المرابطين.

ظلّهذا الشيخ الكبير يحكم حتى سنة 500 هـ= 1106 م وكان قد بلغ من الكبرعتيًا، وتوفي رحمه الله بعد حياة حافلة بالجهاد وقد وفّى تمام المائة،منها سبع وأربعين سنة في الحكم، وكان تمام ستين سنة على ميلاد دولةالمرابطين، تلك التي أصبحت من أقوى دول العالم في ذلك الزمان.






الموقف بعد الزلاقة وقفة تحليلية:






كانت الزلاقة- كما ذكرنا- في 12 من شهررجب 479 هـ= 23 من أكتوبر 1086 م، وبعدها بما يقارب الثلاثة أشهر ماتكمدًا وحزنًا "ألفونسو السادس" قائد النصارى في هذه المعركة بعد تلكالهزيمة الساحقة التي نالته، والتي راح ضحيتها تقريبًا كل الجيش الصليبي،وبترت فيها ساقُه.






وقبل موته استخلف ألفونسو السادس ابنهعلى الحكم، ومع أن الاستخلاف كان سريعا إلا أن النصارى لم يستطيعوا أنيقيموا لهم قوة لمدة عشرين سنة تالية أو أكثر من ذلك؛ حيث لم تحدث مواقعبين المسلمين وبين النصارى إلا بعد سنة خمسمائة من الهجرة، أي بعد حوالياثنتين وعشرين سنة من الزلاقة.






وعلى الجانب الآخر فقد ظل يوسف بنتاشفين رحمه الله في الحكم حتى وفاته سنة خمسمائة من الهجرة عن مائة عامكاملة، وقد استُخلف على دولة المرابطين من بعده ابنُه عليّ بن يوسف بنتاشفين.

حاولالمرابطون بعد دخولهم الأندلس تحرير الأراضي الأندلسية التي أُخذت منالمسلمين على مدار السنوات السابقة، فحاربوا في أكثر من جبهة، واستطاعواأن يحرروا "سرقسطة" في الشمال الشرقي من بلاد الأندلس ويضموها إلى بلادالمسلمين، وقد اقتربت حدود دولة المرابطين من فرنسا.






كما حاولوا كثيرا تحرير "طُلَيْطِلة" (وكانت كما ذكرنا من قبل أنّها من أكثر وأشد مدن الأندلس حصانة علىالإطلاق) لكنهم فشلوا في هذا الأمر وإن كانوا قد أخذوا معظم القرى والمدنالتي حولها.






المرابطون ومواصلة الانتصارات:






بعد موت يوسف بن تاشفين بعام واحد، وفيسنة 501 هـ= 1107 م وبعد ما يقرب من اثنتين وعشرين سنة من الزلاقة، تدورواحدة من أضخم المواقع بين المسلمين وبين النصارى، وهي التي سميت فيالتاريخ بموقعة أقليش، وقد تولى القيادة فيها على المسلمين عليّ بن يوسفبن تاشفين ( 477 - 537 هـ= 1084 - 1143م) وتولى القيادة على الصليبيين ابنألفونسو السادس، وانتصر المسلمون أيضًا انتصارًا ساحقًا في هذه الموقعة،وقُتل من النصارى ثلاثة وعشرون ألفًا.






توالت انتصاراتُ المسلمين بعد هذهالمعركة، ففي عام 509 هـ= 1115 م استطاع المسلمون أن يفتحوا جزر البليار،تلك التي كانت قد سقطت من جديد في عهد ملوك الطوائف، وقد أصبح المسلمونيسيطرون على جزء كبير من أراضي الأندلس تحت اسم دولة المرابطين.




لقد مرت سياسة المرابطين في الأندلس بمراحل ثلاث:


-1 مرحلة التدخل من أجل الجهاد وإنقاذ المسلمين، وقد انتهت بانسحاب المرابطين بمجرد انتصار الزلاقة.




- 2مرحلة الحذر من ملوك الطوائف، بعدأن ظل وضعهم وضع التنافر والتحاسد والتباغض، ولم يفكروا في الاندماج فيدولة واحد، بل فضل بعضهم التقرّب إلى الأعداء للكيد ببعضهم.






- 3مرحلة ضم الأندلس إلى المغرب، فوضعوا حدًا لمهزلة ملوك الطوائف.)) الصلابي - الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين 136






وفي سنة 512 هـ= 1118 م تحدث في داخلبلاد المغرب وفي عقر دار المرابطين ثورة تؤدي بأثر سلبي إلى هزيمتينمتتاليتين لهم في بلاد الأندلس، كانت الأولى هزيمة قاتندة، والثانية هزيمةالقُليّعة.






المرابطون الهزيمة والانحدار.. وقفة متأنية






على إثر قيام ثورة في المغرب في عقردار المرابطين، وعلى إثر هزيمتين متتاليتين لهم في الأندلس من قِبلالنصارى، يحق لنا أن نتساءل: لماذا تقوم الثورة في هذا الوقت في دولةالمرابطين؟! ولماذا هذا الانحدار وتلك الهزائم المتتالية؟!






وفي تحليلٍ موضوعيّ لهذه الأحداث نعودبالتاريخ إلى بداية نشأة دولة المرابطين وقيامها، ففي سنة 440 هـ= 1048 محيث قَدِم الشيخ عبد الله بن ياسين، ظلت الأمور بعده تتدرج ببطء حتى دخلأبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله مع الشيخ عبد الله بن ياسين وحدثتانفراجة قليلة للمسلمين كانت غير متوقعة في ذلك الوقت، حدث بعدها انتشاربطيء ثم انتشار سريع، ثم فتح عظيم وتمكين، ثم دنيا وسلطان وعزّ كبيرللمسلمين، حتى عام 509 هـ= 1115 م كما رأينا سابقًا.







فمنذ سنة سنة 440 هـ= 1048 م ولمدةسبعين سنة، وحتى سنة 509 هـ= 1115 م حيث الانتصارات المتتالية، وحيث العلووالارتفاع، وحيث الأموال والغنائم والقصور، وحيث الدنيا التي فتحت علىالمسلمين، والتي وصلوا فيها إلى درجة عالية من العزّ والسلطان والتمكين،فما هو المتوقع بعد ذلك، وما هي الأحداث الطبيعية التي من الممكن أن تحدثكما سبق ورأينا؟!






لا شكّ أن الشيء الطبيعي والمتوقعحدوثه هو حصول انكسار من جديد للمسلمين، وحدوث فتنة من هذه الدنيا التيفتحت على المسلمين، وفتنه من هذه الأموال التي كثرت في أيديهم.




وقد يتساءل البعض: هل من المعقول بعدانتصارات أبو بكر بن عمر اللمتوني، وانتصارات وأعمال يوسف بن تاشفين، وبعدالزلّاقة، هل من المعقول بعد كل هذا أن يحدث انكسار للمسلمين؟!






وفي معرض الردّ على هذا نقول: كيفنتعجب من حدوث هذا الانكسار الذي حدث بعد وفاة يوسف بن تاشفين، ولانستغربه وقت أن حدث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متجسدًا فيالردّة الكبيرة التي حدثت بين المسلمين؟! وهو بلا شكّ أعظم تربية وأقوىأثرًا من يوسف بن تاشفين ومن على شاكلته، وخاصة إذا كانت هناك شواهد بيّنةلهذا الانكسار وتلك الرجعة.




شواهد الانكسار وعوامل السقوط في دولة المرابطين:


كدورة طبيعية من دورات التاريخ، وممالا يعدّ أمرًا غريبًا أو غير متوقع، كانت هناك شواهد بيّنة لانكسار وتراجعدولة المرابطين عما كانت عليه قبل ذلك، نستطيع أن نجملها فيما يلي:






أولًا: فتنة الدنيا وإن ظلّ أمر الجهاد قائمًا






بالرغم من عدم توقف الجهاد، وبالرغم منصولات وجولات علي بن يوسف بن تاشفين التي كانت له مع النصارى وفي أكثر منموقعة، إلا أن المرابطين كانوا قد فُتنوا بالدنيا، وهو يعدّ في بادئ الأمرشيء غريب جدًا، وفي تحليل لمنشأ هذا الشاهد وُجد أن سببه خطأ كبير كان قدارتكبه المسلمون في دولة المرابطين وهم عنه غافلون، وليتنا نأخذ العظةوالعبرة منه، فقد جعلوا جلّ اهتمامهم التركيز على جانب واحد من جوانبالإسلام وتركوا أو أهملوا الجوانب الأخرى، فقد انشغل المرابطون في أرضالأندلس وفي بلاد المغرب وما حولها منالبلاد، انشغلوا بالجهاد في سبيل الله عن تعليم الناس وتثقيفهم أموردينهم، ومهمّة التعليم بالذات مهمّة شاقة خاصة في هذا الزمن؛ فالناسبطبيعتهم متفلّتة من التعلم ومن الالتزام بتعاليم الدين، ولا يحبون منيأتي لهم بقوانين وبرامج تربوية يعتقدون أنهم في غنى عنها، ومن ثَمّ كانلا بد وأن يتضاعف المجهود الضخم الذي يُبذل من أجل هذه المهمة، حتى تتعلمالأمة أمور دينها، وتعرف ما يجوز وما لا يجوز، وتعرف الواجبات من المحرماتمن المستحبات، وقد انشغل المرابطون بالجهاد في سبيل الله عن غيره منالمهمات ذات الأولوية المطلقة مثل قضية التعليم تلك، ولم يعد الأمر مثل ماكان عليه عهد عبد الله بن ياسين ويوسف بن تاشفين من حرصهم على تعليم الناسوتفقيههم أمور دينهم، وجعلهم جميعًا في رباط وفي مهمة منوطة بهم عليهم أنيؤدوها.






شُغل المرابطون بالجهاد عن إدارة الحكموعن السياسة داخل البلاد، شُغلوا بالأمور الخارجية عن الأمور الداخلية،والإسلام بطبيعته دين متوازن ونظام شامل لا يغلّب جانبًا على جانب، وقدرأينا مثالًا واضحًا لهذا الأمر في تلك الدولة المتوازنة التي أقامها عبدالرحمن الناصر رحمه الله في نواحي العلم والجهاد والاقتصاد والقانونوالعمران والعبادة، وكل شيء، حيث الدولة التي تسدّ حاجات الروح والجسد،فسادت وتمكنّت وظلّت حينًا من الدهر، ومثلها أيضًا كانت بداية دولةالمرابطين وإقامة الجماعة المتوازنة على يد الشيخ عبد الله بن ياسين، تلكالتي اهتم في قيامها بكل جوانب الحياة وعوامل ومقومات الدولة المتكاملة،التي تعطي كل جانب من مقومّاتها قدرًا مناسبًا من الجهد والوقت والعمل،فتعلّموا أن يكونوا فرسانًا مجاهدين ورهبانًا عابدين، كما تعلّموا أنيكونوا سياسيين بارعين، ومتعاونين على منهج صحيح من الإسلام وأصوله، لكنأن يوجِه المسلمون كل طاقاتهم إلى الجهاد في سبيل الله في سنة خمسمائة منالهجرة وما بعدها، ثم يتركون أمور السياسة الداخلية وتثقيف الناس وتعليمهمأمور دينهم، فتلك هي قاصمة الظهر...






ثانيًا: كثرة الذنوب رغم وجود العلماء






كثرت الذنوب والمعاصي في دولةالمرابطين، سواء أكان ذلك في الأندلس أم في أرض المغرب، وهذا مع وجودالعلماء الكثيرين في ذلك الوقت، وكثرة الذنوب كان أمرًا طبيعيًا خاصّة بعدأن فُتحت البلاد وكثرت الأموال؛ وذلك لأن معظم الذنوب تحتاج إلى أموالكثيرة جدًا لاقترافها، فالخمر والمخدرات والملاهي الليلية، ذنوب تحتاج إلىكثير مال للحصول عليها واقترافها، تلك الأموال التي لو كثرت ما برحت هذهالذنوب تكثر وتصير إلفًا بين الأقران، وأصحاب النفوس الضعيفة الذين كانوايقطنون في دولة المرابطين (في المغرب) كانوا يفكرون في الذنوب لكن لايقدرون عليها، أما الآن وقد فُتحت الدنيا عليهم وكثرت الأموال في أيديهم،فتحرّكت هذه النفوس الضعيفة ناحية الذنوب، وبدأت ترتكب من الذنوب والكبائرألوانًا وأشكالًا.






ولا شكّ أنه كان هناك الغني الشاكر،لكن الحق أن هذا هو الاستثناء وليس القاعدة، والأصل أن الناس جميعًايُفتنون بالدنيا ويقعون في الذنوب إذا كثر المال في أيديهم، يقول سبحانهوتعالى في معرض قصة نوحٍ عليه السلام: [فَقَالَالمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًامِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَابَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْنَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ] {هود:27}. والأراذل هم ضعاف الناس وبسطاءالقوم وفقراؤهم، وهم الذين اتبعوا نوحًا عليه السلام، واتبعوا الرسل منبعده، واتبعوا كل الدعاة إلى يوم القيامة، ومن هنا فإن كثرة الذنوب أمرطبيعي ومتوقع كنتيجة مباشرة لكثرة الأموال، لكن أين العلماء الكثيرونالمنتشرون في بلاد الأندلس وبلاد المغرب العربي في ذلك الوقت؟!




كيف يُفتن الناس بالدنيا وراية الجهاد خفّاقة، وكيف تُكثر الذنوب رغم وجود العلماء الأجلّاء؟!


وواقع الأمر أن العلماء هم الذين يقععلى عاتقهم العبء الأكبر من هذا التدني وذاك الانحدار، إذ نراهم وقدانشغلوا بفرعيات الأمور وأغفلوا أساسياتها، لقد طرقوا أمورًا وتركواأمورًا أولى وأهمّ منها، أخذوا يؤلّفون المؤلفات ويعقدون المناظراتويقسّمون التقسيمات في أمور لا ينبني عليها كثير عمل ولا كثير جدوى، بينماأغفلوا أمورًا ما يصحّ لهم أبدًا أن يتركوها أو يغفلوها ..






وهذا بخلاف المناظرات والمجادلاتالحادّة والطويلة في أمر الخوارج والشيعة والمرجئة والمعطلة والمشبهةوالمجسمة، وغيرها من الأسماء والفرق التي ما كان يراها المسلمون أو يسمعونعنها، أخذوا يُنقّبون في الكتب ويبحثون عن كل غريب من أجل هذه المناظراتوتلك المجادلات التي لا نهاية لها...




النتائج التي تربت على تعمق العلماء في الفروع دون الأصول:






كان اتّجاه العلماء في ذلك الوقت إلىالتعمق في الفروع وإهمال الأصول كمن ترك لُجّة البحر واتجه إلى القنواتالفرعية، فأنى له الوصول وأنى لعمله الفائدة المرجوة منه؟! فكان ونتيجةطبيعية لذلك أن نتج عن هذا القلب الخاطئ وذاك التعمق في الفروع تلك الأمورالخطيرة التالية:






أولًا: جدال عظيم عقيم بين العلماء والعامّة






وذلك أن العلماء لم يفهموا أو لميستطيعوا أن يتفهموا حاجة العامة، كما لم تعرف العامة ما يتنطع بهالعلماء، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم وهو أعلم البشر وأحكم الخلقيتكلم بالكلمة فيفهمه علماء الصحابة ويفهمه الأعرابي البسيط، كما كانيفهمه الرجل وتفهمه المرأة والكبير والصغير كل على حد سواء.






ثانيًا: عزلة العلماء عن مجتمعاتهم






باتجاه العلماء إلى دقائق الأمور منالفروع لم يعد يشغلهم حال مجتمعاتهم، ولم يعودوا هم يعرفون شيئا عما يدورفيها وما يحلّ بها من مصائب وذنوب، فتوسّعت الهوّة كثيرًا بينهم وبينمجتمعاتهم، وحدثت بذلك عزلة خطيرة لهم في العهد الخير للمرابطين، فكانتالخمور تُباع وتُشترى بل وتُصنّع في البلاد ولا يتكلم أحد، وكانت الضرائبالباهظة تُفرض على الناس غير الزكاة وبغير وجه حق ولا يتكلم من العلماءأحد، وكان الظلم من الولاة لأفراد الشعب ولا يتكلم من العلماء أحد، وكانتهناك ملاهي الرقص لا تتستر بل تعلن عن نفسها بسفور ولا يتكلم من العلماءأحد، وإنه لعجب والله أن تحدث مثل هذه الأمور في هذا الزمن (من بعد سنةخمسمائة من الهجرة) وتلك الدولة المرابطية، فقد كانت النساء تخرج سافراتبلا حجاب والعلماء لاهون بالحديث عن المرجئة والمعطّلة وغيرها من أمورالجدال العقيمة والفرقة المقيتة، ويعتقدون أن مثل هذه الأمور هي التي يجبأن يُشغَل بها المسلمون، وغيرها هي الأقل أهمية من وجهة نظرهم.






ثالثًا: أزمة اقتصادية حادة






كان من بين شواهد الانكسار الأخرى فينهاية دولة المرابطين، وبعد فتنة الدنيا والمال، وغياب الفهم الصحيحلتعاليم الإسلام، وكثرة الذنوب، وجمود الفكر عند العلماء وانعزالهم عنالمجتمع كان فوق كل هذه الأمور أن حدثت أزمة اقتصاديّة حادة في دولةالمرابطين؛ حيث غاب المطر لسنوات وسنوات، فيبست الأرض وجفّ الزرع وهلكتالدواب، وقد يرى البعض أن هذا من قبيل المصادفة البحتة والعجيبة في نفسالوقت، لكنها والله ليست مصادفة بل هي في كتاب الله عز وجل ومن سننهالثوابت، يقول تعالى في كتابه الكريم: [وَلَوْ أَنَّأَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍمِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَاكَانُوا يَكْسِبُونَ]{الأعراف:96}.






وهذا كلام نوح عليه السلام في حديثه لقومه حيث يقول: [فَقُلْتُاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلِ السَّمَاءَعَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَوَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)مَا لَكُمْلَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا] {نوح:10،11،12،13}.






فالله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمنيندائمًا بالقحط وبالأزمات الاقتصادية الحادة عندما يبتعدوا عن طريقه وعننهجه القويم الذي رسَمَهُ لهم، ومن هنا فلو لوحظ تدهور في الحالةالاقتصادية لأحد البلدان أو المجتمعات، وبدأت الأموال تقلّ في أيدي الناس،وبدءوا يعملون لساعات وساعات ولا يحصل لهم ما يكفي لسدّ رمقهم أو ما يكفيلعيشهم عيشة كريمة، فاعلم أن هناك خللاً في العلاقة بين العباد وربهمسبحانه وتعالى، وأن هناك ابتعاد عن منهجه وطريقه المستقيم؛ إذ لو كانوايطيعونه لبارك لهم سبحانه وتعالى في أقواتهم وأرزاقهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mazikaup.ahlamontada.com
 
التاريخ ببساطه (((المــــــرابـطين)))
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التاريخ ببساطه ((الدوله العثمــــــــــانيه))
» التاريخ ببساطه ((((الخلافه الامويه ))))
» التاريخ الإسـلامي
» مكتبة التاريخ الإسلامى
» التاريخ ببساطة ( المماليك )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
.::ToNiGhT.:: :: القسم الاسلامي :: التاريخ الاسلامي-
انتقل الى: